[الوقف في الإسلام صورة مشرقة لإبداعات العقل المسلم]
ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[22 - 05 - 09, 04:25 م]ـ
[الوقف في الإسلام صورة مشرقة لإبداعات العقل المسلم]
بقلم: إبراهيم نويري
انفردت حضارتنا الإسلامية البديعة بميزات وخصائص عديدة، هي أقرب الخصائص إلى روح الإنسان وفطرته وكينونته، كمخلوق متميّز متفرّد ... فالمنحى " الخيري / الإنساني" يكاد يكون ميزة عامة تصطبغ بها منظومة هذه الخصائص من ناحيتي الأداء والمقاصد على حدّ سواء.
وما نظام الوقف الإسلامي إلا مَعلماً من تلك المعالم الإنسانية الرائدة، التي تميزت بها حضارتنا في التاريخ.
وعلى الرغم من أن أوروبا – كما نجد في تاريخ الحضارات – قد تأثرت بمفهوم الوقف الإسلامي وسماته النبيلة، وذلك عن طريق نقاط التواصل والتماس معها، من خلال جامعات الأندلس، ومؤلفات علماء العرب والمسلمين الموسوعية، التي تمثل بواكير دوائر المعارف في التاريخ العلمي للإنسانية، حيث وجد عندها – كرجع صدى للوقف الإسلامي – ما يُعرف بنظام " الترست Trust "، وهو نظام شبيه بالوقف الإسلامي إلى أبعد الحدود، إلا أن نظام الوقف الإسلامي بخلفيته ومنطلقاته وغاياته، يظل منهجاً فريداً، وأسلوباً إنسانياً وخيرياً استثنائياً، تتميز به الحضارة الإسلامية والتشريع الإسلامي، قال الإمام الشافعي رحمه الله وهو يشير إلى هذه الميزة الإسلامية: " لم يحبس أهل الجاهلية داراً ولا أرضًا فيما علمت ".
تعريفات فقهية ضرورية:
من أسماء الوقف: التسبيل والتحبيس، وهو عند أبي حنيفة: " حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدّق بالمنفعة على جهة الخير ".
وهو عند الشافعية والحنابلة: " حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره، على مصرف مباح، أو بصرف ريعه على جهة بر وخير تقرباً إلى الله، وعليه يخرج المال عن ملك الواقف، ويصير حبيساً على حكم ملك الله تعالى ".
وهو عند المالكية: " جعل المالك منفعة مملوكة، ولو كان مملوكاً بأجرة، أو جعل غلته كدراهم، لمستحق بصيغة، مدة ما يراه المحبِّس، أي أن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي، ويتبرع بريعها لجهة خيرية، تبرعاً لازماً، مع بقاء العين على ملك الواقف، مدة معينة من الزمان فلا يشترط فيه التأبيد [1] ".
ومثال المملوك بأجرة: أن يستأجر داراً مملوكة، أو أرضاً مدة معلومة، ثم يقف منفعتها لمستحق آخر غيره في تلك المدة، وبه يكون المراد من المملوك، إما ملك الذات أو ملك المنفعة.
يقول الفقيه الدكتور وهبة الزحيلي: " فالوقف عند المالكية لا يقطع حق الملكية في العين الموقوفة، وإنما يقطع حق التصرف فيها، وقد استدلوا على بقاء الملك في العين الموقوفة، بحديث عمر رضي الله عنه، حيث قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن شئت حبّّستَ أصلها وتصدّقت بها "، ففيه إشارة بالتصدّق بالغلة، مع بقاء ملكية الموقوف على ذمة الواقف، ومنع أي تصرف تمليكي فيه للغير، بدليل فهم عمر: " على ألا تباع ولا توهب ولا تورّث .. وهذا يشبه ملك المحجور عليه لسفه أي: تبذير وسوء تدبير، فإن ملكه باق في ماله، ولكنه ممنوع من بيعه و هِبَتِهِ، وهذا الرأي أدق دليلاً، وإن كان رأي الشافعية والحنابلة هو الأشهر عند الناس " [2].
والوقف في عرف الفقهاء قسمان: خيري، وأهلي (ذُرّي). وإن كانوا قد اختلفوا في بعض تفاصيل النوع الثاني، فإنهم اتفقوا على جواز النوع الأول، الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن عمر أصاب أرضاً بخيبر، تسمى (ثمغ)، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال يا رسول الله: أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فكيف تأمرني به؟ فقال له: إن شئت حبّستَ أصلها وتصدقتَ بها. فتصدق بها عمر رضي الله عنه – على أن لا يباع أصلها ولا يورّث – للفقراء والقربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف ... كما اتفقوا أيضاً على أنه لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متأثل مالاً.
ويستدل البعض كذلك في إثبات مشروعية الوقف بقوله سبحانه عز وجل:
(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران /92
¥