لَطِيْفَةٌ: لَقَدْ اقْتَصَرْنا فِي هَذِه العَزِيْمَةِ الأخَوِيَّةِ الشَّامِلَةِ للعَامَّةِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ: بثَمَانِيَةِ كُتُبٍ عِلْمِيَّةٍ؛ عَسَاهَا تَكُوْنَ (إنْ شَاءَ اللهُ) سَبَبًا لِدُخُوْلِنا جَمِيْعًا مِنْ أيِّ أبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، اللَّهُمَّ أمِيْنَ!
البَابُ الرَّابِعُ
العَوَائِقُ والعَلائِقُ
وفِيْهِ خَمْسُ عَوَائِقَ وعَلائِقَ
عَوَائِقُ وعَلائِقُ
إنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَّ، لا يَكُوْنُ شَرْعِيًّا مَقْبُوْلاً إلاَّ إذا خَلُصَ مِنَ العَوَائِقِ والعَلائِقِ، وسَلِمَ مِنْ الدَّسَائِسِ والحَوَائِلِ ().
فَعِنْدَ ذَلِكَ؛ فلْيَعْلَمِ الجَمِيْعُ: بأنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَّ لَهُ عَوَائِقُ كَثِيْرَةٌ تَقْطَعُ السَّيْرَ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ، وتُفْسِدُ عَلَيْه الطَّلَبَ والقَصْدَ، كَمَا أنَّها مُحْبِطَةٌ لصَالِحِ الأعْمَالِ، ومُجْلِبَةٌ للحِرْمَانِ والخُسْرَانِ؛ ومَنْ أحَاطَتْ بِهِ فَقَدْ أوْبَقَتْ دِيْنَهُ ودُنْيَاهُ؛ فَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، ومِنْ عَمَلٍ لا يُرْفَعُ.
ومَهْمَا قِيْلَ؛ فإنَّ العَوَائِقَ كَثِيْرَةٌ لا تَنْتَهِي إلى حَدٍّ ولا عَدٍّ، فمِنْها:
الكِبْرُ، بَطَرُ الحَقِّ، غَمْطُ النَّاسَ، حَسَدُ الأقْرَانِ، الرِّياءُ، العُجْبُ، تَزْكِيَةُ النَّفْسِ، سُوْءُ الخُلُقِ، العِلْمُ بِلا عَمَلٍ، التَّرَفُ، العَجْزُ والكَسَلُ، سُوْءُ الظَّنِّ، تَصْنِيْفُ النَّاسَ بالظَّنِّ والتَّشَهِّي، غَيْرَةُ الأقْرَانِ، تَلَقِّي العِلْمَ عَنِ المُبْتَدِعَةُ، أخْذُهِ عَنِ الأصَاغِرِ، تَتَبُّعُ الرُّخَصِ والشُّذُوْذَاتِ العِلْمِيَّةِ، نَشْرُ أُغْلُوْطَاتِ المَسَائِلِ، حُبُّ الشُّهْرَةِ، التَّعَالُمُ، التَّصَدُّرُ قَبْلَ التَّأهُّلِ، التَّنَمُّرُ بالعِلْمِ، تَعْظِيْمُ عُلُوْمِ الدُّنْيَا وألْقَابِها، التَّخَصُّصُ (الجَامِعِيُّ)، التَّقْلِيْدُ المَذْهَبِيُّ، التَّعَصُّبُ العِلْمِيُّ، التَّحَزُّبُ المقِيْتُ، الانْهِزَامُ العِلْمِيُّ (الدَّعَوِيُّ)، رِقُّ الوَظَائِفِ، كَثْرَةُ المِزَاحِ، فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ، خَوَارِمُ المُرُوْءةِ، الإصْرَارُ عَلَى الصَّغَائِرِ، ارْتِكَابُ الكَبَائِرِ، المُجَاهَرَةُ بالمَعَاصِي، حُبُّ الدُّنْيَا، الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِيْنِ ... إلخ.
* * *
فأمَّا إنْ سَألْتَ يَا طَالِبَ العِلْمِ عَنْ جَامِعِ الغَوَائِلِ وأصْلِها، فَهُمَا أمْرَانِ (مُرَّانِ)، مَا ابْتُلِي بِهِمَا أحَدٌ إلاَّ هُتِكَ سِتْرُه، وافْتُضِحَ أمْرُه، ورَقَّ دِيْنُه، وحُرِمَ خَيْرُه، (نُعُوْذُ باللهِ مِنْ كُلِّ سُوْءٍ)!
الأوَّلُ: حُبُّ الدُّنْيا، والثَّانِي: الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِيْنِ، وهُمَا عَائِقَانِ مُهْلِكَانِ ().
يَقُوْلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بأَفْسَدَ لَهَا: مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ، والشَّرَفِ لدِيْنِهِ" ()، فأصْلُ مَحَبَّةِ المَالِ والشَّرَفِ حُبُّ الدُّنْيا، وأصْلُ حُبِّ الدُّنْيا بَلاطُ السَّلاطِيْنِ، وفِيْها اسْتِحْكَامُ الهُلْكَةِ؛ فَنَعُوْذُ باللهِ مِنَ الهَوَى والدُّنْيَا!
يَقُوْلُ ابنُ وَهْبٍ رَحِمَهُ اللهُ: "إنَّ جَمْعَ المَالِ وغِشْيَانَ السُّّّّّلْطَانِ، لا يُبْقِيَانِ مِنْ حَسَنَاتِ المَرْءِ إلاَّ كَمَا يُبْقِي ذِئْبَانِ جَائِعَانِ سَقَطَا فِي حَظَارٍ فِيْه غَنَمٌ؛ فَبَاتا يَجُوْسَانِ حَتَّى أصْبَحَا" ().
* * *
* فأمَّا العَائِقُ الأوَّلُ: فَهُوَ حُبُّ الدُّنْيا وزِيْنَتِها، فَهَذَا (واللهِ!) بَيْتُ الدَّاءِ، ونَامُوْسُ السِّفْلَةِ والرَّعَاعِ، ومَبْلَغُ رَأسِ عِلْمِ الخَالِفِيْنَ، وسُوْقُ المُتَعَالِمِيْنَ، فَعَيَاذًا باللهِ مِنْها!
فيَا طَالِبَ العِلْمِ؛ الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ حُبِّ الدُّنْيا، " اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أكْبَرَ هَمِّنا، ولا مَبْلَغَ عِلْمِنا" () آمِيْنَ!
فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: "اعْلَمُوا أنَّما الحَيَاةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولَهْوٌ وزِيْنَةٌ وتَفَاخُرٌ بَيْنَكم وتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ" [الحديد20].
¥