فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ: " مَنْ بَدَا جَفَا، ومَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، ومَنْ أتَى أبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتَتَنْ، ومَا زَادَ أحَدٌ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا إلاَّ ازْدَادَ مِنَ اللهِ بُعْدًا" ().
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ: " إيَّاكُم وأبْوَابَ السُّلْطَانِ؛ فإنَّه قَدْ أصْبَحَ صَعْبًا هَبُوْطًا" ()، (هَبُوْطًا: ذُلاً).
* * *
قَالَ أبُو حَازِمٍ رَحِمَهُ اللهُ "لَقَدْ أتَتْ عَلَيْنا بُرْهَةٌ مِنْ دَهْرِنا ومَا عَالِمٌ يَطْلُبُ أمَيْرًا، وكَانَ الرَّجُلُ إذا عَلِمَ اكْتَفَى بالعِلْمِ عَمَّا سِوَاه، فَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلاحٌ للفَرِيْقَيْنِ (للوَالِي والمَوَلَّى عَلَيه)، فَلَمَّا رَأتِ الأمَرَاءُ أنَّ العُلَمَاءَ قَدْ غَشَوْهُم وجَالَسُوْهُم وسَألُوْهُم مَا فِي أيْدِيْهِم هَانُوا عَلَيْهم وتَرَكُوا الأخْذَ عَنَهُم والاقْتِبَاسَ مِنْهُم، فَكَانَ ذَلِكَ هَلاكٌ للفَرِيْقَيْنِ" () انْتَهَى.
واجْتَازَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَوْمًا ببَعْضِ القُرَّاءِ عَلَى أبْوَابِ السَّلاطِيْنِ فَقَالَ: "أقْرَحْتُمْ جِبَاهَكُم، وفَرْطَحْتُمْ نِعَالَكَمُ، وجِئْتُمْ بالعِلْمِ تَحْمِلُوْنَه عَلَى رِقَابِكِم إلى أبْوَابِهِم؟ فَزَهِدُوا فِيْكُم، أمَا إنَّكُم لَوْ جَلَسْتُم فِي بِيُوْتِكِم حَتَّى يَكُوْنُوا هُمُ الَّذِيْنَ يُرْسِلُوْنَ إلَيْكُم؛ لَكَانَ أعْظَمَ لَكُمْ فِي أعْيُنِهِمْ، تَفَرَّقُوا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَ أضْلاعِكِمُ! " () انْتَهَى.
وقَالَ كَعْبُ الأحْبَارِ رَحِمَهُ اللهُ "يُوْشِكُ أنْ تَرَوْا جُهَّالَ النَّاسِ يَتَبَاهَوْنَ بالعِلْمِ، ويَتَغَايَرُوْنَ عَلَى التَّقَدُّمِ بِه عِنْدَ الأمَرَاءِ، كَمَا يَتَغَايَرُ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ، فَذَلِكَ حَظَّهُم مِنْ عِلْمِهِم" ().
قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ " إذَا رَأيْتُم العَالِمَ (القارئ) يَلُوْذُ ببَابِ السَّلاطِيْنِ فاعْلَمُوا أنَّه لِصٌّ، وإذا رَأيْتُمُوْهُ يَلُوْذُ ببَابِ الأغْنِيَاءِ فاعْلَمُوا أنَّه مُرَاءٍ" ()، وبِمِثْلِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ ().
وقِيْلَ لسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: " ألاَ تَدْخُلُ عَلَى الأمَرَاءِ فَتَتَحَفَّظُ وتَعِظَهُم وتَنْهَاهُم؟ فَقَالَ: تَأمُرُوْنِي أنْ أسْبَحَ فِي البَحْرِ ولا تَبْتَلَّ قَدَمَاي؟ إنَّي أخَافُ أنْ يُرَحِّبُوا بِي فأمِيْلُ إليْهِم فَيَحْبَطَ عَمَلِي! " () انْتَهَى.
ومِنْ دَقِيْقِ الخَوْفِ؛ مَا ذَكَرَهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ بقَوْلِهِ: "كُنْتُ قَدْ أُوْتِيْتُ فَهْمَ القَرْآنِ، فلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ مِنْ أبِي جَعْفَرٍ؛ سُلِبْتُه، فنَسْألُ اللهَ تَعَالَى المُسَامَحَةَ! " ().
ومَا أجْمَلَ مَا هُنَا؛ وذَلِكَ عِنْدَمَا كَتَبَ إمَامُ أهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إلِى سِعِيْدِ بنِ يَعْقُوْبَ: " أمَّا بَعْدُ: فإنَّ الدُّنْيا دَاءٌ، والسُّلْطَانَ دَاءٌ، والعَالِمَ طَبِيْبٌ، فإذَا رَأيْتَ الطَّبِيْبَ يَجُرُّ الدَّاءَ إلى نَفْسِه فاحْذَرْهُ، والسَّلامُ عَلَيْكَ! " () انْتَهَى.
وقَدْ قِيْلَ: "إنَّ خَيْرَ الأمَرَاءِ مَنْ أحَبَّ العُلَمَاءَ، وإنَّ شَرَّ العُلَمَاءِ مَنْ أحَبَّ الأمَرَاءَ! " ()، وحَسْبُكَ أنَّ هَذَا هُوَ القَانُوْنُ الَّذِي يُوْزَنُ بِه العُلَمَاءُ والأمَرَاءُ: خَيْرًا وشَرًّا!
ورَحِمَ اللهُ أبَا الحَسَنِ عَلَيَّ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ الجُرْجَانِيَّ إذْ يَقُوْلُ ():
ولَوْ أنَّ أهْلَ العِلْمِ صَانُوْهُ صَانَهُم ولَوْ عَظَّمُوْهُ فِي النُّفُوْسِ لَعُظِّمَا
ولَكِنْ أهَانُوْهُ فَهَانُوا، ودَنَّسُوْا مُحَيَّاهُ بالأطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
* * *
¥