تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقَالَ أيْضًا فِي مَعْرَضِ الرَّدِّ عَلَى أهْلِ الطِّبِّ: "وحَاجَةُ النَّاسِ إلى الشَّرِيْعَةِ ضَرُوْرَةٌ فَوْقَ حَاجَتِهم إلى أيِّ شَيءٍ، ولا نِسْبَةَ لحاجَتِهِم إلى عِلْمِ الطِّبِّ إلَيْها، ألاَ تَرَى أكْثَرَ العَالمِ، يَعِيْشُوْنَ بغَيْرِ طَبِيْبٍ؟ ولا يَكُوْنُ الطَّبِيْبُ إلاَّ في المُدُنِ الجَامِعَةِ، وأمَّا أهْلُ البَدْوِ كُلُّهُم، وأهْلُ الكَفُوْرِ (القَرْيَةِ الصَّغِيْرَةِ) كُلُّهُم، وعَامَّةُ بَنِي آدَمَ، فَلا يَحْتَاجُوْنَ إلى طَبِيْبٍ، وهُمْ أصَحُّ أبْدَانًا وأقْوَى طَبِيْعَةً ممَّنْ هُوَ مُتَقَيِّدٌ بالطَّبِيْبِ، ولَعَلَّ أعْمَارَهُم مُتَقَارِبَةٌ ... إلخ.

وأمَّا مَا يُقَدَّرُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرِيْعَةِ ففَسَادُ الرُّوْحِ والقَلْبِ جُمْلَةً، وهَلاكُ الأبَدِ، وشَتَّانَ بَيْنَ هَذَا وهَلاكِ البَدَنِ بالموتِ: فَلَيْسَ النَّاسُ قَطُّ إلى شَيءٍ أحْوَجَ مِنْهُم إلى مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بهِ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ، والقِيَامِ بِه، والدَّعْوَةِ إلَيْه، والصَّبْرِ عَلَيْه، وجِهَادِ مَنْ خَرَجَ عَنْه حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ، ولَيْسَ للعَالَمِ صَلاحٌ بِدُوْنَ ذَلِكَ البَتَّةَ" () انْتَهَى.

وعَلَيْكَ أخِي طَالِبِ العِلْمِ بمَا قَالَه ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي بَيَانِ فَضْلِ عِلْمِ السَّلَفِ عَلى عِلْمِ الخَلَفِ: "وفي كَلامِهِم (السَّلَفِ) كِفَايَةٌ وزِيَادَةٌ، فَلا يُوْجَدُ في كَلامِ مَنْ بَعْدِهِم مِنْ حَقٍّ إلاَّ وهُوَ في كَلامِهِم مَوْجُوْدٌ بأوْجَزِ لَفْظٍ، وأخْصَرِ عِبَارَةٍ، ولا يُوْجَدُ في كَلامِ مَنْ بَعْدِهِم مِنْ بَاطِلٍ إلاَّ وفي كَلامِهِم مَا يُبَيِّنُ بُطْلانَه لمَنْ فَهِمَهُ وتَأمَّلَهُ، ويُوْجَدُ في كَلامِهِم مِنَ المعَاني البَدِيْعَةِ والمآخِذِ الدَّقِيْقَةِ مَا لا يَهْتَدِي إلَيْه مَنْ بَعْدَهُم ولا يَلِمُّ بِهِ، فَمَنْ لم يَأخُذْ العِلْمَ مِنْ كَلامِهِم فَاتَهُ ذَلِكَ الخَيْرُ كُلُّه مَعَ مَا يَقَعُ في كَثِيْرٍ مِنَ البَاطِلِ مُتَابَعَةً لمَنْ تَأخَّرَ عَنْهُم" () انْتَهَى.

* * *

واعْلَمْ يا رَعَاكَ اللهُ، أنَّ العِلْمَ إذا أُطْلِقَ، فإنَّه لا يَصْدُقُ إلاَّ عَلَى العِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَضْلاً وكَمَالاً، أجْرًا ومَآلاً، عِزًّا وحَالاً ... !

ومَا سِوَاهُ مِنْ عُلُوْمِ الدُّنْيا؛ فَهِي عُلُوْمٌ مُقَيَّدَةٌ بِمَا تُضَافُ إلَيْه مِنْ: حِرَفٍ ومِهَنٍ وفِكْرٍ ... كعُلُوْمِ الطَّبِيْعَةِ، والفَلَكِ، والهَيْئَةِ، والحِسَابِ، والصِّنَاعَاتِ، والرِّيَاضِيَّاتِ، والهَنْدَسَةِ، والأحْيَاءِ، و (الكِيْمِيَاءِ)، و (الفِيْزِيَاءِ)، و (الجُغْرَافِيَا)، وعِلْمِ الأرْضِ (الجُيُوْلُوْجِيا)، وعِلْمِ التِّجَارَةِ، وعِلْمِ السِّيَاسَةِ، وكَذَا حِرَفِ النِّجَارَةِ، والفِلاحَةِ، والصِّنَاعَةِ، والحِيَاكَةِ ... إلخ.

فَعِنْدَ ذَلِكَ؛ كَانَ مِنَ الخَطأ البَيِّنِ رَصْفُ تِلْكَ العَنَاوِيْنِ الرَّابِضَةِ فَوْقَ بَعْضِ الكُتُبِ العِلْمِيَّةِ، والأطَارِيْحِ الجَامِعِيَّةِ كَقَوْلِهِم: العِلْمُ والإيْمَانُ، العِلْمُ والإسْلامُ، الإيْمَانُ مِحْرَابُ الطِّبِّ، الدِّيْنُ والعِلْمُ التَّجْرِيْبِيُّ، القُرْآنُ والإعْجَازُ العِلْمِيُّ ... وغَيْرُها مِمَّا هُوَ مِنْ زَبَدِ العُلُوْمِ الدَّخِيْلَةِ، والانْهِزَامِ الجَاثِمِ عَلَى عُقُوْلِ وأقْلامِ كَثِيْرٍ مِنَ كُتَّابِ المُسْلِمِيْنَ هَذِه الأيَّامَ!

ومَا ذَاكَ الخَطَأُ الدَّارِجُ هُنَا وهُنَاكَ إلاَّ لِكَوْنِ القَوْمِ قَدْ ظَنُّوا بأنَّ العِلْمَ شَيْءٌ، والدِّيْنَ شَيْءٌ آخَرَ!

لِذَا نَجِدُهُم يُفَرِّقُوْنَ بَيْنَ الدِّيْنِ والعِلْمِ، ومَا عَلِمُوا أنَّ الدِّيْنَ الإسْلامِيَّ هُوَ العِلْمُ، والعِلْمَ دِيْنٌ؛ فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُوْنَ دِيْنَكُم!

فإنَّ حَالَ هَذِه العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ؛ بَلْ أكْثَرِ العُلُوْمِ الصَّحِيْحَةِ المُطَابِقَةِ للعَقْلِ والتَّجْرُبَةِ؛ فإنَّه لا يَضُرُّ الجَهْلُ بِها شَيْئًا، كَمَا أنَّه لا يَنْفَعُ العِلْمُ بِها!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير