لِذَا؛ فلا يَهُوْلَنَّكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مَا يَتَجَارَى بِهِ أهْلُ زَمَانِنَا فِي تَسْوِيْقِ هَذِه العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ، مَعَ زُخْرُفٍ مِنَ الشَّارَاتِ والألْقَابِ فِي صُرُوْحِ الجَامِعَاتِ، ومَا يَقْذِفُه الإعْلامُ العَائِمُ فَوْقَ بَرَاكِيْنَ مِنَ الثَّقَافَاتِ الغَرْبِيَّةِ، كُلُّ ذَلِكَ مُحَاكَاتٌ ومُشَابَهَةٌ لِمُخَلَّفَاتِ الاسْتِعْمَارِ (الدَّمَارِ) الغَرْبِيِّ!
* * *
ومَهْمَا قِيْلَ؛ فَلَنْ يَتَعَدَّ أصْحَابُ هَذِه العُلُوْمِ الطَّبِيْعِيَّةِ وغَيْرِها (مِمَّا هِيَ مِنْ عُلُوْمِ الدُّنْيا) مَكَانَهُم مِنَ العِلْمِ؛ فَهُم لا يَعْلَمُوْنَ إلاَّ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيا؛ بَلْ هَذَا مَبْلَغُهُم مِنَ العِلْمِ، كَمَا أنَّها عُلُوْمٌ يَشْتَرِكُ فِيْها كُلُّ إنْسَانٍ وجَانٍّ (المُؤْمِنُ مِنْهُم والكَافِرُ)، ومَعَ هَذَا فَلَيْسَ لَهُم فِيْها مِنْ الأجْرِ شَيْءٌ، اللَّهُمَّ إلاَّ إذا جَعَلُوا مِنْ هَذِه العُلُوْمِ والصِّنَاعَاتِ قُرُباتٍ، بَعْدَ اسْتِحْضَارِ قَصْدٍ ونِيَّاتٍ!
كَنِيَّةِ: التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ، كَمَا يَنْوِيْهِ النَّجَّارُ والفَلاحُ وغَيْرُهُما مِنْ أهْلِ الحِرَفِ والمِهَنِ، و"إنَّمَا الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" ().
ومَهْمَا يَكُنْ؛ فالأجْرُ والخَيْرُ: فِي العِلْمِ الشَّرْعِيِّ أصْلٌ وغَايَةٌ، وفِي غَيْرِه مِنَ عُلُوْمِ الدُّنْيا طَارِئٌ ووَسَيْلَةٌ!
وهَذَا الذَّهَبِيُّ رَحِمَه اللهُ أيْضًا نَجِدُه يُعِيْبُ عِلْمَ النَّحْوِ الَّذِي هُوَ أفْضَلُ وأكْمَلُ مِنْ عُلُوْمِ (القَوْمِ!) لاسِيَّمَا إذَا خَرَجَ عَنْ حَدِّه المَقْصُوْدِ، وذَلِكَ بِقَوْلِه: "النَّحْوِيُّوْنَ لا بَأسَ بِهِم، وعِلْمُهُم حَسَنٌ مُحْتَاجٌ إلَيْه، لَكِنَّ النَّحْوِيَّ إذا أمْعَنَ فِي العَرَبِيَّةِ، وعَرِيَ عَنْ عِلْمِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ بَقِيَ فَارِغًا بَطَّالاً لَعَّابًا، ولا يَسْألُه اللهُ والحَالَةُ هَذِه عَنْ عِلْمِه فِي الآخِرَةِ؛ بَلْ هُوَ كَصِنْعَةٍ مِنَ الصَّنَائِعِ: كالطَّبِّ والحِسَابِ، والهَنْدَسَةِ لا يُثَابُ عَلَيْها، ولا يُعَاقَبُ إذَا لَمْ يَتَكَبَّرْ عَلَى النَّاسِ، ولا يتَحَامَقْ عَلَيْهم، واتَّقَى اللهَ تَعَالَى، وتَوَاضَعْ وَصَانَ نَفْسَهُ" () انْتَهَى.
* * *
ومِنْ آخِرِ نَحِسَاتِ أدْعِيَاءِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ هَذِه الأيَّام، أنَّ نَابِتَةً مِنْهُم لَمْ تَزَلْ تَنْفُخُ فِي رَوْعِ شَبَابِ المُسْلِمِيْنَ بَعْضَ العُلُوْمِ التَّجْرِيْبِيَّةِ، الوَافِدَةِ مِنْ مُسْتَنْقَعَاتِ الفِكْرِ الغَرْبِي (الكَافِرِ)، ضَارِبِيْنَ بِعُلُوْمِ وكُتُبِ السَّلَفِ الصَّالِحِ عُرْضَ الحَائِطِ، مُزَاحِمِيْنَ مَا كَانَ عَلَيه المُسْلِمُوْنَ مِنْ الأمْرِ الأوَّلِ: إنَّها العُلُوْمُ الإدَارِيَّةُ، والنَّفْسِيَّةُ (البَرْمَجَةُ العَصَبِيَّةُ اللُّغَوِيَّةُ)، وغَيْرُها!
فَلَيْتَ شِعْرِي؛ هَلْ نَسِيَ هُؤلاءِ (المُنْهَزِمُوْنَ) أنَّ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ هَذِه الأيَّامَ فِي حَالٍ لا يُنَادَى وَلِيْدُها؟ مِنْ جَهْلٍ بِدِيْنِهِم، وتَفَرُّقٍ بَيْنَهُم، وضَعْفٍ لَدَيْهِم ... ؟!، فإنْ كَانُوا عَلَى عِلْمٍ بِهَذا؛ فلِمَاذا هَذِه العُلُوْمُ الدَّخِيْلَةُ الَّتِي تُرَوَّجُ وتُسَوَّقُ بَيْنَ شَبَابِ المُسْلِمِيْنَ؛ حتَّى أخَذَتْ (للأسَفِ!) أخَادِيْدَ فِي قُلُوْبِ بَعْضِ طُلابِ العِلْمِ؟!
* * *
قَالَ اللهُ تَعَالَى: "قُلْ أتَسْتَبْدِلُوْنَ الَّذِي هُو أدْنَى بالَّذِي هُوَ خَيْرٌ" [البقرة61]، وقَالَ تَعَالَى: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخْسَرِيْنَ أعْمَالاً، الَّذِيْنَ ضَلَّ سَعْيُهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُوْنَ أنَّهُم يُحْسِنُوْنَ صُنْعًا" [الكهف103 - 104].
وقَالَ عَبْدُ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ رَضِي اللهُ عَنْه: "كَيْفَ أنْتُم إذا لَبِسَتْكُم فِتْنَةٌ يَهْرَمُ فِيْها الكَبِيْرُ، ويَرْبُو فِيْها الصَّغِيْرُ، ويَتَّخِذُها النَّاسُ سُنَّةً، فإذا غُيِّرَتْ قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ!
¥