تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قَالُوا: ومَتَى ذَلِكَ يا أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: إذا كَثُرَتْ قُرَّاؤكُم، وقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُم، وكَثُرَتْ أمَرَاؤُكُم، وقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُم، والْتُمِسَتِ الدُّنْيا بعَمَلِ الآخِرَةِ" ()!

* * *

فإنِّي أُعِيْذُكَ باللهِ يا مَنْ تَسْعَى فِي نَشْرِ هَذِه العُلُوْمِ الدَّخِيْلَةِ الهَجِيْنَةِ فِي بِلادِ المُسْلِمِيْنَ، مِمَّا يَلِي:

1ـ أنْ يَنَالَكَ نَصْيِبٌ مِنْ قَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ: " ... ومَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعَلِيْه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِها مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِم شَيْئًا" ().

وبَعْدَئِذٍ؛ فَلا تَنْسَ يَا رَعَاكَ اللهُ!، مَا فَعَلَه المَأمُوْنُ يَوْمَ عُرِّبَتْ فِي عَهْدِه عُلُوْمُ اليُوْنانِ، والفَلاسِفَةِ مِنَ اليَهُوْدِ والنَّصَارَى والهِنْدِ: مِثْلُ الطِّبِّ، والحِسَابِ، والطَّبِيْعَةِ، والهَيْئَةِ، والمَنْطِقِ ... فَلَمَّا دَرَسَها النَّاسُ، وتَنَاقَلُوْها فِيْمَا بَيْنَهُم؛ ظَهَرَتْ بِسَبَبِها البِدَعُ والأهْوَاءُ، وضَلَّ وابْتَعَدَ النَّاسُ عَنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ ... فعِنْدَها كَانَ الضَّلالُ والانْحِرَافُ، والشَّرُّ الكَبِيْرُ، والفَسَادُ العَرِيْضُ!

لأجْلِ هَذا؛ كَانَ عَلَيْكَ أنْ تَقِفَ بِخَوْفِكَ عِنْدَ هَذَا العِلْمِ، لاسِيَّما إذَا عَلِمْتَ أنَّ الَّذِيْنَ ضَلُّوا وأضَلُّوا بِهَذِه العُلُوْمِ الوَافِدَةِ وَقْتَئِذٍ: هُمُ مِنَ العُلَمَاءِ!، فَكَيْفَ والحَالَةُ هَذِه إذا عَلِمَ الجَمِيْعُ أنَّ مُعْظَمَ الَّذِيْنَ يَتَجَارَوْنَ وَرَاء هَذِه العُلُوْمِ النَّكِدَةِ، ويَتَقَاطَرُوْنَ عَلَى دَوْرَاتِها: هُمُ الشَّبَابُ مِنْ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ؛ فاللهَ اللهَ فِيْهِم!

2ـ لا يَخْفَاكَ يَا رَعَاكَ اللهُ؛ أنَّ الأُمَّةَ بعَامَّةٍ تَعِيْشُ هَذِه الأيَّامَ جَهْلاً بدِيْنِها، لِذَا كَانَ الأوْلَى بِنا أنْ نَسْعَى حَثِيْثًا فِي عَوْدَةِ الأُمَّةِ إلى دِيْنِها أوَّلاً، ثُمَّ إذا كَانَ فِي الأمْرِ مُتَّسَعٌ فَعِنْدَئِذٍ يَكُوْنُ للكَلامِ فِي مِثْلِ هَذِه العُلُوْمِ الوَافِدَةِ شَيْءٌ مِنَ البَسْطِ والتَّحْرِيْرِ!

فَكُلُّ يَدٍّ مُدَّتْ إلَى هَذِه العُلُوْمِ الوَافِدَةِ لِتَنْبُشَها بَعْدَ أنْ أُقْبِرَتْ، وأصْبَحَتْ عِظَامًا نَخِرَةً، فَلَيْسَ لَها أنْ تُرَوِّجَها بَيْنَ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ، ظنًّا مِنْها أنَّ الأسْمَاعَ فِي صَمَمٍ، وأنَّ العُيُوْنَ فِي سُبَاتٍ، وأنَّ الأقْلامَ والأنَامِلَ لا تَجْتَمِعَانِ ()؟!

3ـ ألَمْ يَأْنِ لَنا أنْ تَخْشَعَ قُلُوْبُنا لِمَا يَذْكُرُه أهْلُ هَذِه العُلُوْمِ التَّجْرِيْبِيَّةِ مِنَ الغَرْبِ والشَّرْقِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؟ فَلَمْ يَزَلْ عُقَلاؤُهُم حتَّى سَاعَتِي هَذِه وهُم يَصِيْحُونَ بِخُطُوْرَةِ هَذِه العُلُوْمِ فِي غَيْرِ نَدْوَةٍ، أو لِقَاءٍ، أو دَوْرَةٍ تَدْرِيْبِيَّةِ!

* * *

* أمَّا العَائِقُ الرَّابِعُ: فَهُوَ التَّخَصُّصُ (الجَامِعِيُّ!)، ومَا أدْرَاكَ مَا هُوَ؟ إنَّه مِنْ التَّشَبُّهِ المَقِيْتِ والمَوْرُوْثِ العِلْمِيِّ الوَافِدِ، يَوْمَ قَضَتِ الأقْضِيَةُ فِي زَمَانِنا؛ بنُبُوْغِ نَوَابِتَ فِي صُفُوْفِ أهْلِ العِلْمِ قَدْ ألْبَسُوْهُم ثِيَابَ التَّخَصُّصِ، وتَوَّجُوْهُم ألْقَابًا وشَارَاتٍ مُهَلِّلَةً؛ فانْتَفَخُوا فِي العِلْمِ وهُم خَوَاءٌ، ونَابَذُوا التَّعَالَمُ وهُم سَوَاءٌ، يَوْمَ قَصُرَتْ هِمَمُهُم وبَلَغَتْ عُلُوْمُهُم مِنَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ جَوَانِبَ ونُتَفًا عِلْمِيَّةً، حَامِلِيْنَ فِي شَهَادَاتِهِمُ الجَامِعِيَّةِ تَجْزِئَةً وتَقْطِيْعًا لعُلُوْمِ الشَّرِيْعَةِ، وتَغْيِيْبًا لطَائِفَةٍ مِنْها عَنْ أحْكَامِ فِقْهِ الوَاقِعِ، وقَضَايَا الأمَّةِ المَصِيْرِيَّةِ؛ فَلا عِلْمَ بَلَغُوْه، ولا عَمَلَ نَالُوْه، ولا وَاقِعَ فَهِمُوْه!

وإمَّا يَنْزِغَنَّكَ يا طَالِبَ العِلْمِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الوَافِدِ الغَرْبِيِّ، فاسْتَعِذْ باللهِ السَّمِيْعِ العَلِيْمِ مِنْه، ولا تَطْرُقَنَّ لَه بَابًا فإنَّه مِنْ أبَوْابِ الجُمُوْدِ العِلْمِيِّ!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير