تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد

فتحلة القسم فإن الله-تعالى- قال في كتابه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} فهذا أمر محتم لابد منه يضرب الصراط على متن جهنم أدقُّ من الشعرة وأحدُّ من السيف دحض مزلة أي كثير الزلق وكثير الخلل والله-تعالى- على كل شئ قدير فالذي أمشى الإنسان على أرض منبسطة قادر على أن يمشيه على ماهو أدق من الشعرة وأدق من السيف وقادر على أن يمشيه في الهواء فهو على كل شئ قدير يمشي الناس على هذا الصراط ويجتاز الناس الصراط على قدر أعمالهم، فمنهم من يمشي كالبرق، ومنهم من يمشي كالريح المرسلة، ومنهم من يمشي كأجاود الخيل يمشون على قدر الصالحات والأعمال الطيبات المباركات من الأقوال والأفعال التي مضت فيما بينهم وبين الله-عزوجل-، وجعل الله هذا الصراط ابتلاءً للصالحين وغير الصالحين، فعلى جنبتي الصراط الأمانة والرحم فلا ينجو من هذا الصراط قاطع الرحم أو خائن للأمانة، فقاطع رحم وأعظم الرحم حق الوالدين ثم قرابة الوالدين، فمن قطع رحمه فلن يمر بهذا الصراط أو على هذا الصراط بسلام، كذلك من خان الأمانة حتى السر الذي يكون بينك وبين أخيك والكلمة التي يأتمنك عليها هي أمانة حتى النظرة التي تراها من سر أخيك المسلم أمانة كل ذلك تبتلى به على الصراط الذي يضرب على متن جهنم، فهذا الصراط يضرب بعد الوقوف في عرصات يوم القيامة فإن الله-تعالى- يأمر العباد ويأمرهم أن يجتازوا وأن يردوا فيمر عليه الأنبياء والصلحاء والأتقياء وأتباع الرسل وغيرهم يمر عليه الصالح والطالح، فإذا مر عليه المنافقون فإن الله-عزوجل- يبتليهم فيعطون النور على ظاهر ماكانوا يخدعون به المؤمنين فإذا أعطوا النور أمام الناس وكأنهم مع المؤمنين ضرب بينهم بسور فانطفأ نورهم فكبكوا في نار جهنم لا يجدون ولياً ولا نصيراً في الدرك الأسفل من النار-نسأل الله السلامة والعافية-فكانوا مع المؤمنين يخدعونهم ويتظاهرن بالصلاح معهم فأمهلهم الله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} -نسأل الله السلامة والعافية- فإذا كانوا على صراط جهنم ميز الله الخبيث من الطيب وأظهر الصالح وأظهر الطالح: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} هناك يظهر صدق الصادقين هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم يظهر النفاق ويظهر الرياء ويظهر الصدق ويظهر الكذب وتنكشف حقائق الناس في يوم يبعثر فيه مافي القبور ويحصل فيه مافي الصدور، ووالله ما ضاقت الدنيا على مؤمن مخلص لله بهمها وغمها ونكدها فلا يتوسع ضيقها إلا إذا تذكر مثل هذه الساعات التي يكشف الله فيها حقائق الزيف والكذب والنفاق والغش فيظهر الناس على حقائقهم.

فهذا الصراط بلاء عظيم واختبار عظيم تظهر فيه حقائق الأمور والله-تعالى-جعله لكي يفصل بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال وبين الصادق والكاذب، فإذا كان-والعياذ بالله- العبد عنده سيئات من كبائر الذنوب وشاء الله-عزوجل- أن يطهره منها بنار جهنم فإنه يخطف بكلاليب من النار، وهذه الكلاليب تخطف الناس على قدر ذنوبهم ولكن لا تخطف إلا أصحاب الكبائر فإن أصحاب الكبائر هم الذين يدخلون النار.

وأما أصحاب الصغائر فإن الله وعد باجتناب الكبائر تكفير الصغائر، وعلى هذا فإنه يكون المرور بالصراط أقسم الله-عزوجل- أننا نمر عليه حتى الأنبياء فإنهم يمرون على الصراط وهم يقولون: ((اللهم سلم سلم)) دعوى الأنبياء كما في الصحيح: ((اللهم سلم سلم)) فلا يستطيع الإنسان مهما كان صالحاً وهذا يدل على أن العبد ينبغي أن يفوض الأمور كلها لله وحده لا إلى أحدٍ كائناً من كان يقول--: ((يافاطمة بنت محمد سليني من مالي ماشئتِ فو الله لا أغني لك من الله شيئاً)) فهذا بلاء عظيم وهو بلاء الصراط فإذا مر الناس على الصراط كان ذلك المرور على قدر صلاحهم وطلاحهم فهم على أقسام:

القسم الأول: الذين يكبكب في نار جهنم-والعياذ بالله- إما بالنفاق وإما بالذنوب.

القسم الثاني: مَنْ يسلم مخدوشاً وهو خير من الذي يكبكب في نار جهنم.

والذي يسلم وهو القسم الثالث: دون أن يخدش فهو على مراتب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير