تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهَذَا فِي حَدِّ ذَاتِه يُعْتَبَرُ تَضْيِيْعًا للأوْقَاتِ، وتَبْدِيْدًا للطَّاقَاتِ لَدَى طُلابِ التَّخَصُّصِ؛ حَيْثُ نَجِدُهُم يَسْتَكْثِرُوْنَ مِنْ قِرَاءةِ كُتُبِ "أُصُوْلِ الفِقْهِ" سَوَاءٌ عِنْدَ الأحْنَافِ، أو المَالِكِيَّةِ، أو الشَّافِعِيَّةِ، أو الحَنَابِلَةِ، ورُبَّما جَمَعُوْا بَيْنَها، كُلُّ هَذَا (للأسَفِ) عَلَى حِسَابِ الفِقْهِ الشَّرْعِيِّ العَامِّ، والخِلافِ العَالِي!

* * *

ثَالثًا: إذَا عَلِمْنا أنَّ عُلُوْمَ الغَايَةِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيْعَةِ، وأنَّ عُلُوْمَ الآلَةِ مِنْ الوَسَائِلِ، والحَالَةُ هَذِه كَانَ مِنَ الخَطأ البَيِّنِ، والفَسَادِ الوَاضِحِ أنْ نُغَلِّبَ جَانِبَ الوَسَائِلِ عَلَى المَقَاصِدِ، وإلاَّ كنَّا مُغَالِيْنَ مُتَكَلِّفِيْنَ!

ومَا أحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ العَلامَةُ ابنُ خُلْدُونٍ رَحِمَهُ اللهُ: "وأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ آلَةٌ لِغَيْرِها: مِثْلُ العَرَبِيَّةِ والمَنْطِقِ وأمْثَالِهِما؛ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ فِيْها إلاَّ مِنْ حَيْثُ هِي آلَةٌ لِذَلِكَ الغَيْرِ فَقَطُ، ولا يُوَسَّعُ فِيْها الكَلامُ، ولا تُفَرَّعُ المَسَائِلُ؛ لأنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ بها عَنِ المَقْصُوْدِ، فكُلَّمَا خَرَجَتْ عَنِ المَقْصُوْدِ، صَارَ الاشْتِغَالُ بِهَا لَغْوًا، ورُبَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ عَائِقًا عَنْ تَحْصِيْلِ العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ لِطُوْلِ وَسَائِلِها؛ مَعَ أنَّ شَأنَها أهَمُّ، والعُمُرُ يَقْصُرُ عَنْ تَحْصِيْلِ الجَمِيْعِ عَلَى هَذِه الصُّوْرَةِ، فَيَكُوْنُ الاشْتِغَالُ بِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ تَضْيِيْعًا للعُمُرِ وشُغُلاً بِمَا لا يُغْنِي!

وهَذَا كَمَا فَعَلَهُ المُتَأخِّرُوْنَ فِي صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وصِنَاعَةِ المَنْطِقِ، لا بَلْ وأُصُوْلِ الفِقْهِ؛ لأنَّهُم أوْسَعُوا دَائِرَةَ الكَلامِ فِيْها نَقْلاً واسْتِدْلالاً، وأكْثَرُوا مِنَ التَّفَارِيْعِ والمَسَائِلِ بِمَا أخْرَجَها عَنْ كُوْنِها آلَةً، ورُبَّما ذَكَرُوا مَسَائِلَ لا حَاجَةَ بِها فِي العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ، فإذَا قَطَعُوا العُمُرَ فِي تَحْصِيْلِ الوَسَائِلِ فَمَتَى يَظْفَرُوْنََ بالمَقَاصِدِ؟، فلِهَذَا يَجِبُ عَلَى المُعَلِّمِيْنَ لِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ أنْ لا يَسْتَبْحِرُوا فِي شَأنِهَا، ولا يَسْتَكْثِرُوا مِنْ مَسَائِلِها، ويُنَبِّهُ المُتَعَلِّمَ عَلَى الغَرَضِ مِنْها" ().

* * *

رَابعًا: أنَّ العُلاقَةَ بَيْنَ عُلُوْمِ الغَايَةِ والآلَةِ عُلاقَةٌ طَرْدِيَّةٌ، لاسِيَّمَا مِنْ جِهَةِ الوَسَائِلِ، فعِنْدَئِذٍ كُلَّمَا ازْدَادَ طَالِبُ العِلْمِ مِنْ عُلُوْمِ الآلَةِ، كَانَ عَلَيْه أنْ يَزْدَادَ مِنْ عُلُوْمِ الغَايَةِ ضَرُوْرَةً، وإلاَّ كَانَ هَذَا تَنَاقُضًا بَيِّنًا، وخَلَلاً وَاضِحًا فِي الطَّلَبِ والقَصْدِ.

ومِنْه نَعْرِفُ حِيْنَئِذٍ: الحِنْثَ العَظِيْمَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يَتَنَاقَلْهُ أهْلُ التَّخَصُّصِ العِلْمِيِّ هَذِه الأيَّامِ، يَوْمَ نَرَاهُم لا يَتَقَيَّدُوْنَ بِهَذِه القَاعِدَةِ الطَّرْدِيَّةِ بَيْنَ عُلُوْمِ الغَايَةِ والآلَةِ، فَتَجِدُ أحَدَهُم قَدْ طَالَ بِهِ العُمُرُ فِي تَحْصِيْلِ: أُصُوْلِ الفِقْهِ (مَثَلاً) وهُوَ لا يُحْسِنُ مِنَ الفِقْهِ إلاَّ مَا يُحْسِنُه طُلابُ العِلْمِ المُبْتَدِئِيْنَ، أو مُقَلِّدُو المَذْهَبِ، وهَذَا الصَّنِيْعُ مِنْهُم مِمَّا يَزِيْدُنا يَقِيْنًا بأنَّ التَّخَصُّصَ العِلْمِيَّ: زَغَلٌ فِي العِلْمِ، ودَسِيْسَةٌ فِي الطَّلَبِ، واللهُ المُوَفِّقُ والهَادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيْلِ!

* * *

* أمَّا العَائِقُ الخَامِسُ: فَهُوَ فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ، ومَا أدْرَاكَ مَا فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ؟ إنَّهَا المُهْلِكَاتُ، فإذَا كَانَ المَاءُ لا يَجْتَمِعُ مَعَ النَّارِ، فَكَذِلَكَ طَلَبُ العِلْمِ لا يَجْتَمِعُ مَعَ فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير