فَاِستَوحَشَت وَبَكَت في الدَمنِ قائِلَةً ...... يا أُمُّ وَيحَكِ أَخشى النارَ وَاللَهَبا
فَقُلتُ لا تَحذَريهِ عِندَنا أَبَداً ...... قالَت وَلا الشَمسَ قُلتُ الحَرُّ قَد ذَهَبا
قالَت فَمَن خاطِبي هَذا فَقُلتُ أَنا ...... قالَت فَبَعلِيَ قُلتُ الماءُ إِن عَذُبا
قالَت لِقاحي فَقُلتُ الثَلجُ أُبرِدُهُ ...... قالَت فَبَيتي فَما أَستَحسِنُ الخَشَبا
قُلتُ القَنانِيَّ وَالأَقداحُ وَلَّدَها ...... فِرعَونُ قالَت لَقَد هَيَّجتَ لي طَرَبا
ويقول الستالي أيضاً في وصفها:
يا حبَّذا متعةُ الدّنيا وملْعَبها ...... وحبّذا القهوة العذراء نشربها
حمْرآء في يد ساقيها معتَقة ...... كأنها دم خِشف حين يسْكُبَها
ترى لها في فم الابريق بارقة ...... ليلاً إذا ما هوى في الكوب كوْكبُها
وممن جمع القهوة بمعنييها: (الخمر, والبنّ) المفتي فتح الله, حيث يقول:
عَلَيكَ بِالقَهوَةِ السّوداءِ تَشرَبُها ...... وَدَع لِرَشفِ الطّلى مَولودَة العِنَبِ
كَم غابَ عَن عَقلِهِ بِالخَمرِ شارِبها ...... وَشارِبُ القَهوَةِ السّوداءِ لَم يَغِبِ
قلت: وهذا ما يفسر إعراض الناس عن القهوة الزنجية (أو البنّ) عند أوّل اكتشافها, بل ذهب بعض العلماء -حينها- إلى تحريمها, وفي ذلك يقول العمريطي في أرجوزة له:
الحمد لله الذي قد حرما .... على العباد كل مسكر وما.
يضر في عقل ودين أو بدن .... وما يجر للفساد والمحن.
اعلم بان القهوة المشهورة ..... كريهة شديدة المرورة.
قلت: ولعلّ السبب في تحريم العلماء لها أولاً عند ظهورها, هو اشتباهها بالخمر التي كانت تسمى قهوة عند العرب, هذا من جهة, ومن جهة أخرى لعدم تبيّن نفعها للجسم, حيث اعتقد أكثرهم أنها مضرة بالأبدان.
ولكن بعد أن استقرّ أمرها, وشاع ذكرها, وتبيّن وجه منفعتها, وافتراقها عن القهوة الخمرية, زالت شبهة التحريم, وغدت من أطايب الشراب.
وقد ردّ ابن معصوم (ت: 1119 هـ) الأديب وشنّع على من حرّم القهوة الزنجية, حيث قال:
يا قائِلاً إِنَّ قشرَ البُنِّ قد حَرُما ...... لكونه مُفسداً عقلَ الَّذي طَعِما
إِفسادُه العقلَ مَمنوعٌ كما شَهِدَت ...... به التَجاربُ فاِسأل من به عَلما
وإِن بتحريمِهِ أَفتى مكابرةً ...... أَبو كثيرٍ فدَعهُ والَّذي زَعَما
فَلَيسَ تحريمُه يوماً بضائِرنا ...... إِذ كانَ إفسادُه للعقل قد عُدِما
وَما يحلِّلُ شَيئاً أَو يحرِّمُه ...... إلا الَّذي خلقَ الأَشياءَ لا العُلَما
قلت: "وقوله قشر البنّ, لأنّ أهل اليمن كانوا وما زالوا يشربون قشر البنّ لا البنّ.
محبكم: ابو يزيد المدني
الأخ الفاضل أبو وائل حسان شعبان
ياشيخ سليم القهوة سلفية والزلابية بدعة محدثة.
أمّا القهوة الحجازية، وإن شئت فقل العربية، فأنا لا أشاطرك الرأي يا شيخ سليم فيها،
فو الله إنّي لمن عشاقها، خاصة النّجدية، إذا ما اكتحلت بزعفران إيراني، وتطيّبت بالهيل الأمريكي، واستوت على جمر صحراوي، فلا تسل عن تلك النكهة، وذلك المذاق، وتلك الرائحة الفوّاحة
و والله لا أعلم في حياتي أني شربت شيئا مُرّا بمحض إرادتي من غير إكراه إلا هذه القهوة العربية، وبعدها يأتي الدواء الذي يشرب بشق الأنفس ..
وللنّاس فيما يعشقون مذاهب، وقد قال الشاعر الأسطورة أبو الطيب:
لا تعذل المشتاق في أشواقه * * * حتى يكون حشاك في أحشائه
((أمّا قولنا في الزلابية))
فأقول: عفا الله عنك يا شيخ سليم (ابتسامة)
أنا تكلمت على شيء سلفي (القهوة)،
لا على شيء محدث مبتدع (الزلابية) ...
فأنت ترى أنّي أوردت النثر والشعر عن سلف هذه الأمة عن القهوة وما قيل فيها في كتب المعاجم والأدب، كما أنّك فعلت ذلك أيضا.
لكن الزلابية هذا المخلوق العجيب، الذي لا يدرى أوله من آخره، بدعة محدثة في العصر الحديث، فمن جاء بها هو من يطالب بالاستدلال لها، فأنا لا علم لي بها.
اللهم إلاّ ما روّينا أن أصل خلقة هذا المخلوق بسبب غلطة لإحدى ناقصات العقل والدّين، حيث أنها كانت تريد أن تصنع كعكا ( gateau)، فسقطت منها قطعة من العجين خطأ في المقلى، فيها زيت تغلي، فخرج هذا المخلوق العجيب، بسبب زلة، فقالت:
زلّة بيّ، أي: وقعت منّي زلّة، فَجَرَتْ تسميتها، بزلابية،
هكذا قيل، والله أعلم.
وإن كان أخونا عبد المؤمن حفظه الله يقول:
أنا أشعر أني أكبر وأنا آكلها.
¥