وأما قولنا في قلب اللوز.
فهو مركب إضافي, يتبادر لك من أوّل وهلة أنّ اللوز قد احتل فيه محلّ القلب من الجسم, ولكن كما قيل في المثل: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" وأنا أقول: "تسمع بقلب اللوز خير من أن تطعمه" فلم يعد من هذا المركب الإضافي لا قلب ولا لوز, والأحرى أن يسموه الآن: "قلب السميد", لانعدام اللوز فيه بالكليّة, وحتى المحشي منه زوراً, فاللوز فيه شامة, لا تغيث ملهوفاً, ولا تشبع نهماً.
فالحنين إلى قلب اللوز زمان, لو يعود كما كان.
ولكن هذا يجعلنا نغوص في أدب العرب, حتى نعرف مقدار شغفهم بقلب اللوز.
فاعلم أّن قلب اللوز أكلة شهيرة عند العرب, وكان لها مجانين من حبها بل وصرعى.
وقلب اللوز كان يعرف عند العرب باسم: "الفلوذَج" بفتح الذال.
قال أبو منصور الثعالبي: فالوذَج معمول بلُباب البرّ، ولُعَاب النحل، فالوذَج كأنّما اللوز فيه كواكب، درٌ في سماءِ عقيق.
فهو مركب من: ماء, ودقيق, وعسل, ولوز, يحتل اللوز فيه الثلث.
ولقد تغنى بقلب اللوز (الفالوذج) الشعراء, وهتف لطعمه الأدباء.
قال أبو طالب المأموني:
فالوذج يمنع من نيله ....... ما فيه من عقد وانضاج
يسبح في لجة ياقوته ...... للوز حيتان من العاج
كأنما أبرز من جامه ....... ثوب من اللاذ بديباج
وفي يتيمة الدهر للثعالبي, في وصف قلب اللوز:
إني اتخذت أبا علي ذا العلا ....... معقودة لك ذات طعم طيب
فقد اغتدت في جامها وكأنها ....... شمس على بدر أوان المغرب
وتخال فيها اللوز وهو منصف ....... أنصاف در فوق صحن مذهب
فتعال نخمش وجهها بأكفنا ....... غضبت علينا أو غدت لم تغضب
بل كان للسلف شغف عجيب بقلب اللوز, مثل صاحبكم, وأغرم به أقوام, وجنّ آخرون, وصرع بلذته طائفة.
ذكر الحافظ ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس, وابن عبد ربه في العقد الفريد, أنّ الرقاشي قال:
أخبرنا أبو هفان أن رقبة بن مصقلة (المحدث, ت: 129 هـ, وكان ثقة مأموناً) طرح نفسه بقرب حماد الراوية (قلت وهو: حماد بن أبى سليمان أبو إسماعيل الكوفى الفقيه, ت: 120 هـ) في المسجد، فقال له حماد: ما لك؟ قال: صريع (قلب اللوز) فالوذج. قال له حماد: عند من؟ فطالما كنت صريع سمك مملوح خبيث. قال: عند حكم في الفرقة وفصل في الجماعة. قال: وما أكلتم عنده؟ قال: أتانا بالأبيض المنضود، والملوز المعقود، والذليل الرعديد، والماضي المودود".
ومن نوادر الأعراب مع قلب اللوز, ما جاء في الكشكول لبهاء الدين العاملي.
أنّه قيل لأعرابي على مائدة لبعض الخلفاء وقد حضر فالوذج (أي: قلب اللوز) وهو يأكل منه: يا هذا إنه لا يشبع منه أحد إلا مات، فأمسك يده ساعة، ثم ضرب بالخمس وقال: استوصوا بعيالي خيراً.
(وقلب اللوز أو فالوذج) هو في المنام كلام لطيف حسن في أمر معيشته والكثير منه رزق كثير في سلطنة وبر من غنائم.
فإن رأى أنه يأكل قلب اللوز فإنه يرزق من طمع وصيد أو غنيمة مع سرور وسيادة.
فليهنأ آكل قلب اللوز يقظة ومناماً.
محبكم: أبو يزيد المدني
المصدر ( http://tebessa.forume.biz/montada-f18/topic-t3259.htm#10983)
ـ[أبو همام عبد الحميد الجزائري]ــــــــ[09 - 06 - 09, 01:01 م]ـ
بارك الله فيك أخي سمير و في الشيوخ الكرام ....
أضحك الله أسنانكم جميعا ... !!!!
حقيقة ... حوار شيق و ممتع للغاية ... و مزاح راقي ... ما شاء الله ...
سبحان الله!!! كل هذا في القهوة ..... إن لها لشأنا عظيما .... فقد أخذت بألباب الشعراء ... و كان لها نصيب وافر من كلام المشايخ و الفصحاء ....
بارك الله فيك ....
ـ[سمير زمال]ــــــــ[01 - 11 - 09, 11:53 م]ـ
بارك الله في مرورك أخي الهمام