فإذا بها: تخلع حجاب أُنوثتها إلى الأبد! وتكشف عن وجهها بين الناس بعد أن كانت تلبس نقابَ الحياء وإسدال العِفَّة! وتُودِّع الملابس النسائية! وترتدي ملابس الرجال! وتظهر في صورتهم! وتُحاكي أقوالهم وحركاتهم! وصارتْ تتسلَّحُ بالقوس والسهام في مجلس عرشها! وتلبس القلنسوة على رأسها! وتخوض الحروب وهي على متون الأفيال العملاقة! كما كان يفعل ملوك ذلك الزمان في شبه القارة الهندية.
بل حكى بعضهم عنها: أنها عَمَدَتْ إلى شعرها الطويل الناعم فَجَذَّتْه جَذَّاً! وقصًّتْه قصَّاً! حتى يكون ذلك هو آخر عهدها بأنوثتها التي فطرها الله عليها!
قال العلامة الأديب علي الطنطاوي: «وحَسِبَتْ – يعني رضية الدين – أنها بهذا التبديل: تستطيع أن تُبَدِّلَ خِلْقةَ الله فيها! وأن تجعل من نفسها رجلًا!».
قلتُ: وكيف غفلتْ تلك المرأة عن أن رسولها r قد صح عنه أنه قال: «لعن الله المتشبِّهات من النساء بالرجال، و المتشبِّهين من الرجال بالنساء».
وصح عن ابن عباس أنه قال: «لعن النبي: المخنَّثين من الرجال، والمتَرجِّلات من النساء».
وصح عن أبي هريرة أنه قال: «لعن رسول الله: الرجل يلبس لُبْسَة المرأة، والمرأة تلبس لُبْسة الرجل».
وصح عنه أنه قال: «ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: .... » وذََكَر منهم: «والمرأةُ المتَرَجِّلَةُ المتَشبِّهةُ بالرجال».
فأين كانت رضية الدين عن كل تلك البروق والصواعق التي تقشعر لها فرائصُ أهل الإيمان! وترتجف منها أبدان العارفين بمقام الخالق وحقيقة الإنسان!؟
لكنها شهوة التَّسَلُّطِ على عروش الحكم و السلطان! ولذََّةُ التَّرَأُّسِ على دهماء العباد في كل مكان! والله من وراء الجميع محيط وهو المستعان.
ولم تكن: شعوب الهند في ذلك الزمان لِيتَرَضَى عن تلك الأمور التي تفعلها تلك السلطانة المتمرِّدة! وشعروا بأنهم قد أخطأوا عندما رفعوها على عرش السلطنة! وكيف راق لهم أن تحكمهم امرأة؟ فانطلقت ألسنة الناقمين والطامعين في كل مكان! وهبَّ الفقهاء والعلماء من مضاجعهم، وقاموا من غََمْرة غَفْوتهم وغفلتهم، وجعلوا يُردِّدُون على المنابر قوله r : « لن يُفلِح قومٌ وَلَّوْا أمْرَهُم امرأة»! وبدأت حملات الغضب والتمرّد تُبَيَّتُ للسلطانة بليْلٍ دون شعورها! واجتمع وزير البلاد مع قادة الأمراء، ورءوس الفرسان على خَلْع السلطانة، وتَوْلِيَة أخيها الصغير: ناصر الدين بهرام شاه، أمورَ الحكم والبلاد!
وفي ليلةٍ ركَدَتْ ريحُها، وأرِقَتْ نُجومها: انقضَّ الجميع على السلطانة وهي في مخدعها نائمة! وفي بحور أحلامها هائمة! فقبضوا عليها، وساقوا أغلال الهوان إليها! وزجُّوا بها في غياهب السجون أيامًا ولَيَالْ، وهى تعاني الآلام وتواجه الأهوال!
لكنَّ السلطانة: لم يكن في صحيفة آمالها: أن تموت وهي ترسُفُ في قيودها! فَقَدَحَتْ زِناد ذكائها! وأشعلتْ فتيل أفكارها! ثم اهتدتْ إلى أن تُرْسِل إلى حاكم مدينة: «أود» تستنجده لنصرتها، وتسْتَعْديه على أخيها وأمراء دولتها! وكأنها كانت تَعِدُهُ – إنِ استطاع خلاصها – بوصالها، والزواج منها!
وحينما وصلت الرسالة: إلى حاكم: «أود» لم يتردد كثيرا! بل جيِّش الجيوش، وحشد الحشود، وهبَّ من فوره لتخليص سلطانته من أسرها، وتأديب قُوَّاد جيشها! وعَبَرَ نهر: «الكنج»، فاستقبله السلطان ناصر الدين وأمراء مملكته بجيوشٍ لا قِبَل له بها! والْتَقَى الجمعان في معركة شرسة تمخَّضَتْ عن عشرات القتْلَى، ومئات الجرْحَى! ووقع حاكم: «أود» مِنْ على فرسه أسيرا جريحا! ولم يلبثْ حتى قضى نحبه، وطوى الموت كشْحَه!
ولما أُخْبِرَتْ السلطانةُ رضيةُ بذلك: لم يسكن جأشها! ولم تضعف كواهلها! بل ما لانتْ لها عزيمة! ولا خارتْ لها شكيمة! ولجأتْ إلى استخدام سلاح آخر كانتْ قد أغفلتْه من حسابها، وأسقطتْه من قائمة أفكارها!
¥