تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا السلاح الممِيتُ: هو سلاح الحُسْن و الجمال، وسيفُ الغُنْجِ والدَّلاَل! فجعلتْ تطْعنُ بِسهْم أنُوثتها في قلوب الأمراء! وظلتْ تحِزُّ بسكين محاسنها رقابَ القُوَّاد والكُبَرَاء! حتى أجَّجَتْ بينهم نيرانَ العداوة والغضب! وكلما هدأ لهيب الجحيم أسْرَعتْ إليه بحمل الحَطَب! حتى قضى أكثرهم على بعض! وقصفتْ رياح الفتن أغصان أعمارهم بالطول والعرض!

وهنا: قامت السلطانة مِنْ رقدتها، وأسفرتْ عن بطشها وقوتها! وأقامتْ المذابح لمن تبقَّى من هؤلاء الذين تآمروا عليها! ونصبتْ حبائلَ الموت لكل من ساقتْه أقدار جرائمه إليها!

إلا أنها تركت أخاها الصغير ناصر الدين دون أن تصُبَّ عليه سوط عذابها، لمعرفتها بكونه كان دُمْيةً في تلك الأيادي التي قَطَعَتْ أناملها بِسِنَان رِماحها!

وهكذا: عاد للسلطانة – مرة أخرى – تاجُ هيْمَنَتِها على العباد، واسْتَتَبَّ لها الأمن والسلام في ربوع البلاد.

وأصبحتْ أشدَّ صرامة، وأقوى شيكمة، وأنهض عزيمة، وأصلب إرادة، وأقوم صلابة! وظنتْ أن شمس أيامها قد عادت بعد الغياب، وأن قمر لياليها قد حطّ رحله من طويل سفره وآب! فأطلقتْ لنفسها العنانَ في كل ما تريد وترغب من الأمور! ولا تدري أن كوكب نهايتها – وهي في ذروة نشوتها – أصبح في فلك الآجال يدور!

فوقعتْ واقعة: كانت هي علامة سقوط خاتمة أمر تلك الملِكة! ونزلتْ حادثة: لأجلها زال نفوذ السلطانة عن سائر ربوع المملكة!

وتلك الواقعة: هي أنه كان للسلطانة: عبدٌ مملوك حبشي يُدْعى: «جمال الدين ياقوت» وكان «أميرَ الخيول» في أنحاء الديار، وكانتْ السلطانة كثيرةَ الأُنس به! دائمة الاستصحاب له في نزواتها هنا وهناك! ولم تكن مُتَصَوِّنة في معاملاتها معه! بحيث اشتهر بين الخاص والعام: أنه هو الذي كان يرفعها من تحت إبِطَيْهَا على فرسها! كما كان يحملها بين ذراعيْه عند نزولها!

ليس هذا فحسب: بل بلغ من تعلُّقها بهذا الحبشي: أنها جعلتْه في رتبة: «أمير الأمراء»! فاسْتَثارتْ بذلك حفيظة أمراء الدولة جميعا! وظلوا يتحدثون عن طبيعة تلك العلاقة المريبة بين رضية الدين وخادمها ياقوت! لا سيما والسلطانة: امرأة غير متزوجة بعد!

وصارتْ أخبارها مع عبدها ياقوت: هي حديث الناس والعامة، وقضية العصر الطامَّة!

فنهض الأمراء وسائر الناهضون: وجعلوا يُثِيرون أُمراء الأقاليم على تلك الملكة التي يبدو أنها تعيش حياة العُشَّاق! وَتَهِيمُ في أسواق الأشواق! غير مبالية بغضب أمرائها وشعبها! ولا ناظرة إلى تعاليم دينها!

وهنا: كان حاكم مدينة: «بتهندا» هو أول الثائرين على تلك السلطانة العاثرة بسوء سلوكها! وأعلن الثورة عليها في عام: 637هـ.

واجتمع معه: أمراء سائر الأقاليم والأمصار الهندية، وجاءوا بجيوش جبارة تهز الأرض هزَّاً!

وما إنْ علمتْ رضية الدين بذلك: حتى أعدَّتْ عدتها، وأحكمت شأنها، وقادت جيوشها على ظهر فيلها! وكان بين يديها: عبدها ياقوتُ الحبشي! ذلك الأمير العاشق المتهم!

وبينما هي في الطريق لملاقاة حاكم: «بتهندا» وسائر الثائرين: حدث ما لم يكن في الحسبان! وكان من أمر الله ما كان؟ فقد انقلب جيش السلطانة عليها! وصوَّبوا نِبَال حقدهم الدفين إليها! وأطبقوا على عبدها ياقوت وهو شاهر سيفه يدرأ به عن ملكته: فضربوه ضربة رجل واحد! حتى جعل دمُه يفور أمام رضية الدين وهي صامتة لا تتكلم،وواجمة تبكي وهي تتألَّم!

ثم أخذوها أسيرة ذليلة! وسلَّموها إلى حاكم: «بتهندا» الذي أخذها معه إلى بلاده، وأودعها سجن قلعته الحصينة، وتركها تبكي ذِكْرَاها، وتبكي على ليْلاَهَا! وتتجرع كئوس الأحزان، وتغرق في بحار الأشجان!

لكن السلطانة الداهية! استطاعت أن تُميل قلب حاكم: «بتهندا» إليها، ونجحتْ في أنْ ْتجعله رهْن إشارتها وطَوْعَ يديْها! فأعلن الزواج منها في سائر أقطار، وجرى ذلك مجرى الريح في سائر الأمصار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير