تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومكثتْ رضية الدين مع زوجها: ما شاء الله، ثم راودتها شهوة الملك والحكم – مرة أخرى – وحلمتْ باسترداد عرشها! وبعودة سلطانها! فعادت إلى استخدام سلاح جمالها – مرة ثالثة – مع زوجها! وظلت تَتَعَصَّىَ عليه وتَرْضَى! وتُوعِدُه جميلَ الوصال ثم تَأْبَى! وتُغْريه بحكم مملكة: «دهلي» [دلهي]، وتقول: ليس أحدٌ من العالمين يجعلك تحكمها: غيري!

حتى رضخ زوجها لمطلبها، وخارتْ عزيمته أمام رغبتها، فقام من فوره ورصد جيوشه الضخمة لأمر زوجته، ووضع يديها على شئون دولته، فلم تلبث رضية الدين إلا قليلا: حتى سارتْ بجيش عرَمْرَم، وجُمُوعٍ ركائبُها تُزَمْزم! واتجهتْ نحو سلطانها المنشود، وأملها المعقود، وهي تُسرِّي عن نفسها وتُغْريها، وترسم بيدها أحلام آمالها ورغبات أمانيها!

ولم تكن تدري: أنها إنما تُساق إلى قبرها! وتحملها الركاب إلى بُقْعة مصرعها!

فبينما هي وجيوشها في الطريق: إذ وصلتْ الأنباء إلى أخيها ناصر الدين ومن معه من الأمراء والقواد وحكام مدينة: «دلهي» فاستنصروا ببعض أمراء الأقاليم ممن حولهم: ثم خرجوا لملاقاة السلطانة وزوجها، والتقى الجمعان على مشارف موضع يقال له: «كيتهل».

ونَشَبَتْ الحرب العَوَانُ بين الفريقين، وخَطَبتْ السيوف على منابر الرءوس! وتناثرت الأشلاء تحت سنابك الخيل وأرجل الأفيال! وشَرِب السراب من دماء الأجناد حتى ارْتوى! وأكلتْ الأرض من أجسادهم حتى شبعتْ! وجعل الموت يرفرف بجناحيه فوق الرقاب! وحلّتْ بتلك البقعة نازلةُ العذاب! وثار الغبار في وجوه الراكضين، ولم يتكَشَّف إلا عن أمرٍ عظيم!؟ فقد هُزم جيش رضية الدين! ووقع زوجها أسيرا في أيدي خصومه من المناوئين! وفُقِدَتْ رضيةُ الدين بين أتون هذا المعترك! فظل القوم يبحثون عنها بين الأسرى والقتلى فلم يعثروا عليها! حتى يئسوا من الاهتداء إليها!

ولكن: أين ذهبت تلك السلطان الحائرة! وأيُّ سبيل سلكته هذه المرأة العاثرة!

نهاية السلطانة رضية الدين:

إنها ذهبتْ بعيدا بعيدا؟ حيث ظلت تركض بجوادها في الأدغال وبين الأشجار، بعد أن أدركتْ هزيمةَ جيشها وزوجها معًا! وظلتْ تسير ليالي وأياما بلا زادٍ ولا مأوى! حتى أنهكها العطش والجوع، وأضْنَاها قِلةُ الراحة والهجُوع! وظلتْ تُطاردها الأشباح، وهي ريشةٌ في مَهبِّ الرياح، فجعلتْ تجري، وهي لا تدري إلى أين تجري؟ وصارت تسير، وقلبها كسير .....

وفي يوم من الأيام مشهود، وسُرَادِقُ ليله على بساط أديمه ممدود: التفعتْ السلطانة بالظلام، وعيون الكائنات نيام، ونزلتْ ببعض القرى الفقيرة في أطراف مملكتها المترامية، فرأتْ رجلا فقيرا حرَّاثًا يضرب بفأسه في أرضه، ويعمل بيديه في إصلاح زَرْعه، فهرولتْ إليه، وأقبلتْ عليه، وهي في ثياب الحرب التي كانت تشبه ثياب الرجال! فطلبتْ منه شيئًا تَسُدُّ به رمقها، وتُقيم منه أوَدَها؛ فقام الرجل مسرعا وأحضر إليها كسرة خُبْزٍ، وقليل من الماء، وهو لا يعرف أنها السلطانة رضية الدين! بل كان يظنها فارسًا فقير الحال مثله!

وبعد أن طَعِمَتْ السلطانة وشربتْ: نادى بها منادي الأرواح إلى النوم، فجعلت تسبح - من شدة تعبها - في بحور الأحلام وهي لا تُحسن العَوْم! وأخذتْ تغطُّ في سُباتٍ عميق! وتتَرَدَّدُ زَفَراتُها كزفرات الغريق! ثم تتقلب يمينا ويسارا، لكونها لم تكن تألفُ النوم على حشائش الأشجار بعدُ!

فبينا هي كذلك: إذِ انكشف قباؤُها النَّسَائيُّ المطرَّز بالذهب من تحت ثيابها! فنظر إليها ذلك الحرَّاث - عفوا – فإذا قباؤها الداخلي يدل على كونها امرأة! فَهَالَه ما رأى! ثم جعل يدنو منها رويدا رويدا حتى أبصر نفسه في بريق تلك القِطَع الذهبية التي كان القباء مُطَرَّزًا بها!

وهنا: لم يتردد الرجل في الحصول على ذلك القباء الذهبي! فاستلَّ خنجره، وجعل يطعن به في جسد السلطانة النائمة! لتستيقظ من أحلامها البائسة على طعنات ذلك الخنجر الذي نفذ إلى كبدها فأصابها في مقتل! وكأنها حاولتْ المقاومة! ولكن دون جدوى! وكيف يقاوم مَنْ يرى ملائكة الموت ترفرف فوق رأسه؟ وتحوم في أرض حُزْنِه وبُؤْسِه؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير