تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد أن أدرك ذلك الحرَّاثُ أن ضحيته قد لفظتْ أنفاسها، وخرجتْ روحُها، قام بنزع ذلك القباء الذهبي منها، وتركها غارقة في دمائها! مقتولة في سلطانها! ولم يغفل أن يحفر لها حفرة عميقة في أرضه التي يحرثها! ثم رمى بالسلطانة فيها ومضى!

ولم يلبث أن ذهب بالقباء في أسواق المدائن يعرضه للبيع؛ فاسْتَراب التجَّار في أمره؟ كيف لمثل هذا الرجل الفقير صاحب تلك الأثمال البالية! أن يحصل على مثل ذلك القباء المطرز بالذهب! والذي لا يكون إلا من ثياب الأميرات والملِكات! فقادوه إلى صاحب الشرطة، فجعل يطلب منه معرفة حصوله على هذا القباء الذهبي؟ فأبى الرجل أن يخبرهم! فما زالوا يضربونه حتى رضخ لهم، وأقرَّ بين يديهم بما اقترفتْه يداه!

فذهبوا به إلى أرضه التي فيها زَرْعُه وقلْعُه، فأشار إليهم إلى ذلك الموضع الذي دفن في تلك البائسة صاحبة القباء، فجَدّوا في الحفر حتى أخرجوها مخضَّبة بالدماء! فنظروا في وجهها: فإذا هي ملكة بلادهم: السلطانة رضية الدين! وكان ذلك في الخامس والعشرين من ربيع الأول، عام: 637هـ.

ثم عهدوا إلى منْ غسَّلها وكفنها، ثم صلوا عليها، وبنى لها أخوها ناصر الدين قبرا مهيبًا ودفنها فيه.

وقد أتَتْ عوامل الأزمان والدهور على فخامة هذا القبر! فلم يبق منه الآن إلا ما يظهر في تلك الصورة النادرة بمدينة دهلي [دلهي] الهندية.

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=68385&stc=1&d=1245451679

خاتمة:

وهكذا: انطوتْ صفحة تلك المرأة التي خرجت عن فطرتها التي خلقها الله عليها، وتجشَّمَتْ مُعَاداة شرائع الجبار التي جاء بها رسلُه الكرام إليها! وجَمَحَتْ بجواد غرورها في متاهات الكبرياء، وجعلتْ تتعثَّر في أذيال طمعها بين الأرض والسماء! ونسيتْ أن لله مِنْ عوائد الانتقام، ما يُنْسيها وغيرها متاع الدهور ولذَّات الأيام!

فأين تذهب من تولَّتْ عن أمر رسولها وطاعته؟ ولم ترفعْ رأسًا بقوله ودعوته! ورَغِبتْ عن فِطَر الإيمان! وسلكتْ طريق الشيطان! وهرولتْ سريعًا إلى ما يُغْضِب الله والرسول، وضربتْ في بَيْدَاء شهواتها بالعرض والطول! بل وجعلتْ تعزفُ بأنامل معاصيها على أوتار الذنوب والآثام، وظلتْ تشْدو بقَيْثارة هفواتها آناء الليل وجفونُ الصالحات نيام! حتى خسرت السعادتين! وحُرِمتْ رضا خالقها في كلتا الدارين! وكيف لا وهي التي أقبلتْ على الدنيا وأغْفَلَتِ الآخرة! وباعتِ التجارة الرابحة بالصفقة الحاسرة! فياله من خسرانٍ عظيم! وضلالٍ ما عرفه تُوْمَا الحكيم!؟

فيا أيَّتُها المغرروة بما أعطاكِ الله من سلطان الكمال والجمال! ويا أيَّتها التائةُ بما خلقه الله فيكِ من المحاسن والجلال! لعلَّكِ تُبْصرين ما أذاقه الله المغروراتِ قبلكِ من صُنوف الهوان! ولعلك تتأمَّلين ما لَحَقَهنَّ و ساق بهنَّ إلى معاقد الهلاك ومُنْقَطع الخسران! حيث لا مال ولا جمال، ولا جلال ولا كمال! بل صار جميع ذلك إلى زوال!

فبالله: كم في غياهب القبور من عيونٍ كَحيلةٍ قد أذابتْها غارباتُ الليالي والأزمان!؟

وكم: في حُفَر الأقفار من خُدُودٍ أسيلةٍ قد أكَلتْهَا حشراتُ الأرض وهَوامُ المكان؟!

وكم هناك: من قُدودٍ جميلة قد صارت ترابًا يطَأَهُ كلُّ غادٍ ورائح!؟

بالله كم: من خُصُورٍ رشيقةٍ صارت رمادًا بعد أنْ بكَتْ عليها العيونُ وصاح الصائح!

فاللهم قد ساءتْ الظنون إلا بك، وانقطعتِ الآمال بالبعد عنك! وليس لدينا من الأعذار، ما يحجب عنا أبواب النار!

فوا حسْرتاه على أيامٍ خلتْ بمعصيتكِ، ووا طُولَ حُزناه عل أوقاتٍ مضتْ في مخالفتك! ووا فضيحتُنا منك يوم نلقاك، ووا خِذْلاننا مِنْ سواد صحيفتنا يوم النشور!

ومَا لنا لا نَنُوحُ على أنفسنا وليس لنا مَنْ ينوح عليها سوانا؟!

فاللهم: إن كنا قد عصيناك سهوًا فقد غرَّنا عفوك! وإن كنا قد خالفناك جهلا فقد خَدَعَنا حِلْمُك وكرمُك! أيُّ عيشٍ يطيب وأنت علينا غاضب يا مولانا؟ وأيُّ لذَّة تُسْتساغ وأنت علينا ساخطٌ يا سيدنا؟

فاللهم: توبةً نتخلَّصُ بها من تلك الأقذر! وطاعةً مقبولةً نتقرَّبُ بها من منازل الأبرار، وقد أتيناك ونحن في قيود الذِّلة وسلاسل الإِسَار! وليس لدينا ما نتشفَّع به إليك – ونحن منه على يقين- سوى توحيدك، والإقرار بشرائعك، والإيمان بنبيِّك، فهل أنت براضٍ يا سيدنا؟

فنسألك بك ألاَّ عذَّبت لسانًا ذَكَرَك، أو قلبًا شَكَرك، أو وجهًا سَجَدَ لك، أو جسدًا خرَّ لعظمتك،أو عينًا بكتْ – ولو دمعة – من خشيتك، ثم متى عهدناك لا تقبل التوبة؟ ومتى شاهدناك لا تغفر الحوبة؟ فنحن على الباب وإنْ طَرَدتَّنا! ولسنا نغادر رحابك وإنْ أبعدتَّنا! ولن نرضى منك بدون العفو عنا يا خالقنا ومولانا.

وختامًا: نسأل الله حُسْنها ... إذا بلغتْ الروح المنتهى.

فإنه بكل جميل كفيل ... وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وكتبه: العبد الفقير، والجاني على نفسه بِويْلات الأمور: أبو المظفَّر سعيد بن محمد السِّنَّاري القاهري ... ذلك الأثيم العاثر .. سامحه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير