وستجد في الصنف الثاني من يغريك بكثرة القراءة والاطلاع على أنواع المعارف والثقافات والفلسفات، وكل منهم يجذبك إلى قراء ما تخصص فيه، أو كان هواه معه، هذا يزين لك القراءة في الشئون السياسية، وهذا يحبذ لك القراءة عن الشؤون الاجتماعية، وذاك يعدد لك محاسن القراءة عن الوسائل الإعلامية، وآخر يغريك بالغوص في الأمور الاقتصادية، وغيره يرفع لك فوائد قراءة المناهج التربوية، وصنوه يحثك على قراءة العلوم النفسية ... كل واحد منهم يرغبك لتكون موسوعة في مجاله الذي فضله في تلك المجالات. وكل منهم قد يقول لك: اطلب العلم للعلم، وليس لشيء آخر ...
وستجد في الصنف الثالث من يحثك على البعد عن ملذات الدنيا وزخارفها، والإقلال من الطعام والشراب، ولبس الخشن من الثياب، والإكثار من التأمل، وإطلاق شعورك وأظافرك، و الابتعاد عن مخالطة الناس ويحضك على الانزواء عنهم في دير أو معبد، أو مسجد.
ويقول لك: إن الجسم عدو من أعدائك، فعاقبه بحرمانه مما يقويه، واجعل نفسك جلدا على عظم، لا يحول بينهما لحم ولا شحم، واهتم بروحك وقلبك فقط، ففيهما راحتك ونجاتك.
أما الصنف الرابع فستجده يقول لك: الله خلقك فسواك فعدلك. وأنت عبد لله جسمك وعقلك وقلبك لربك، في حياتك وفي ومماتك: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين لا شريك)
والثلاثة كلها –الجسم والعقل والروح-أمانة عندك يجب عليك أن تعطي كل ذي حق حقه:
فللجسم غذاؤه وكساؤه ونظافته وحركته وجماله وصحته، كل ذلك بتوسط واعتدال، فلا تفريط ولا إفراط: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) (وكلوا واشروا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين) (ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)
وقد سابق الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه وبناقته، وشرع المسابقة للفرسان، وأثنى على الرمي والرماة: (ارموا) وقال (وأن لبدنك عليك حقا) وأمر الله المسلمين بإعداد العدة، لإرهاب أعدائهم ...
(خذوا زينتكم عند كل مسجد) (إن الله جميل يحب الجمال) (إن الله يحب أن يرى نعمته على عبده)
وللعقل حظه من العناية، وقد أبدى القرآن وأعاد في العناية به وهو مناط التكليف في شرع الله، وقد جال به القرآن الكريم في ملكوت السماوات والأرض: في النجوم والكواكب والشمس والقمر، والليل والنهار، ومع السحاب والمطر والبرق والرعد، ومع الملائكة في الملأ الأعلى.
كما قاده إلى السياحة في الأرض: لينظر كيف يحييها الله وكيف يميتها، وكيف مكنه من السير في مناكبها دون عناء ولا مشقة، وأودع فيها ما يجعل حياته عليها سهلة ميسرة، ما أحسن استغلالها وقام بعمارتها النافعة المفيدة، وقاده كذلك إلى السياحة في بحارها وأنهارها وأشجارها وغاباتها وحيواناتها دقيقها وجليلها، ونبهه على عظمة الجبال وألوانها ووظيفتها وفائدتها.
ولفت نظره إلى نفسه وتطورات خلقه العجيبة وتاريخ حياته في الدنيا والآخرة. (وفي السماء رزقكم وما توعدون وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم، أفلا تبصرون)
وللقلب كذلك نصيبه الوافر الذي يصله بربه من إيمان صادق، وعلم نافع، وعبادة مخلصة، وأخلاق فاضلة:
الإيمان بأصوله وفروعه الذي ينير القلب ويهديه إلى سواء الصراط، ويربطه بإخوانه المؤمنين من الإنس والجن في الأرض، والملائكة في السماء. وبه يكون فلاحه وسعادته، وبعدمه تكون شقاؤه وخسارته.
والعلم النافع المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي يجعله يسير في حياته على بصيرة من أمره، بنير له الدروب، ويرفع له معالم هادية في الطريق، فلا يضل ولا يشقى.
والعبادة –وهي العمل الصالح-فرضها ونفلها، التي يؤديها كما أمره الله مخلصا له، لا بشرك فيها بربه أحدا، وهي التي تمد إيمانه بالقوة ومزيد اليقين. العبادة الشاملة التي تجعل حياته ومماته كلها لله.
يستطيع المسلم أن يجعل حياته كلها بالنية الصادقة عبادة لله، فقيامه بفرائض الطاعات ونوا فلها عبادة، وتركه المحرمات والمكروهات عبادة، وتعاطيه المباحات أو تركها، تقربا إلى الله عبادة.
والخلق الحسن الذي يعامل به القريب والبعيد من الناس، من طلاقة الوجه، ولين الجانب، وأدب اللسان، وبذل المعروف، وصدق الحديث ... كل ذلك يزيد القلب نورا، ويمده بمعين لا ينضب من الصفاء والنقاء والصلة القوية بالله، وحسن المعاملة مع خلق الله من إنس وجن وحيوان.
وهنا يعلم الإنسان أنه محتاج إلى أن تكون قراءته عامة شاملة لما يحتاجه بصفته إنسانا كامل الإنسانية، يُعنَى في قراءته بجميع عناصره (جسمه وعقله وروحه) المترابطة ترابطا لا يكون الإنسان كامل الإنسانية إلا بها.
هل تقرأ؟ لماذا تقرأ؟ (3)
كتبه
د. عبد الله قادري الأهدل
ـ[أبو داود]ــــــــ[16 - 07 - 04, 10:49 م]ـ
السلام عليكم
ما دليلك في قولك "الإنسان مكون من عناصره الثلاثة الرئيسة: الجسم، والقلب، والعقل".
¥