تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تقول إحدى بناتها: كانت والدتي حريصة على أن أُحسن الصلاة وأؤديها على أكمل وجه وتحملنا المسؤولية في ذلك.

وهكذا ينبغي أن تكون المؤمنة التي تعلم أنها مسئولة عن أبنائها بين يدي الله تعالى

حفظها للقرآن:

من الخير الذي خص الله به هذه المرأة أن جعل القرآن يسكن قلبها في حياتها الدنيا , قد أشغلها عن الناس ومجالسهم الفارغة , كانت تتلوه في صبحها ومسائها مما جعلها تختمه في كل أسبوع مرة , على الرغم من أنها ربة بيت وأم لأولاد ومديرة لمدرسة وبلغت سنا قلما يحفظ المرء فيه القرآن إلا أنها عزمت على ختمه , فأعطاها الله ما أرادت لصدق نيتها , وقوة عزيمتها , فماذا عسى أن تقول الفتيات المنصرفات عن كتاب الله؟

إن القرآن خير أنيس لصاحبه حين يتخلى عنه الناس فيبقى وحيدا في قبره, لا أنيس له إلا كتاب الله وعمله الصالح , ويلقاه يوم القيامة عند قيامه من قبره حتى يسوقه إلى جنات النعيم.

ومضة

عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول:

(َإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ.

فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟

فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ.

فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا.

فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟

فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلا) أخرجه أحمد وهو في السلسلة الصحيحة.

زهدها في الدنيا

على الرغم من أن الله قد وسع عليها بالمال إلا أن الزهد كان ظاهرا عليها لأنها على يقين من زوال الدنيا ,وانتقال أهلها منها إلى دار الجزاء والحساب فكانت تجعل مالها في أحوج ما تكون إليه يوم لقاء الله تعالى (لم يكن همها كهم الكثير الذي لا يجاوز فستانا تلبسه أو زينة تتزين بها)

بل كان همها الأعظم كيف أُتاجر مع الله في هذا المال وليس معناه ترك الدنيا بكليتها , ولكن لا لتطغي الدنيا على الآخرة, وكانت تُنكر على من يتوسعن في اللباس ومناسبات الأفراح لكمال عقلها الذي دلها على خير كثير كما تطالعه في هذه الورقات.

ولقد كان من مشاريعها وقف شقة لتكون دارا لتحفيظ القرآن الكريم , وأخرى لدعم والمسجد والدار , فسبحان من يوفق عبده للخير ويدله عليه.

غيرتها على حرمات الله أن تُنتهك

عُرفت بغيرتها على المحارم ,فكانت –وهي مديرة مدرسة - لا تسمح لطالبتها أن يتساهلن في الحجاب , فكانت شديدة المراقبة لهن في هذا الباب, ولا تسمح للأدوات من شنط وأقلام التي فيها صور.

تقول إحدى أخواتها:مما أعرفه عن أم مازن أنها لا تسمح بوجود المنكر أو أن ُيفعل أمامها.

إحسانها للضعفاء

كان قلبها الكبير يشعر بمآسي الضعفاء والمحتاجين , فيحنوا عليهم , ويرأف بهم , لم يكن حالها - كحال من أهمتهم أنفسهم ,فكانوا جُل اهتمامهم بها ,ولا يهمهم إلا تلبية ملاذهم الخاصة - بل كانت تعلم أن للفقير حق في المال , وللمسكين فيه نصيب , فلذا كانت عطوفة رحيمة تقول إحداهن: كانت أم مازن تأتي بكثير من احتياجاتي وربما وضعتها عند بابي وذهبت من غير أن أشعر بها.

يُخفي محاسنه والله يُظهرها - - - إن الجميل إذا أخفيته ظهرا

وكانت تكفل ثلاثة أيتام خارج البلاد كفالة تامة.

بل إن من عجيب صنعها أنها خلال بقائها في المدينة كانت تبحث عن الفقراء-انظر إلى الهم – فوفقها الله لأسرة البانية كفلتهم حتى تخرج ولدها من الجامعة ,إضافة إلى كفالة امرأة موريتانية , وأخرى جزائرية وثلثه أفريقيه وغيرهم

أما جارتها فقد انخرطت بالبكاء عندما بلغها خبر وفاتها وقدمت على أهلها وجعلت تقول لهم: لقد كانت أم مازن من أرحم الخلق بي , كانت تتعاهدني بكل ما أحتاج في بيتي وأولادي.

فرحمها الله رحمة واسعة.

ومما يدل على عنايتها بهذا الباب أنه حينما طلب أسماء بعض الفقراء أعطت وصفا دقيقا لبيت كل واحد منهم مما يدل شدة الصلة بهم ومواصلتهم , يقول احد إخوانها: لقد اكتشفنا بعد وفاتها أنها تكفل عدة أسر لا نعلم عن خبرهم , قلت: يكفي أن الله يعلم.

وفاتها –رحمها الله -:

وبعد هذه السيرة العطرة التي كانت عليها –هذه المرأة الصالحة – أتظن أن الله يُضيع عبده عند الوفاة؟ حاشا وكلا.

فإن الله سبحانه يُكرم عبده عند الوفاة وبعدها ما يجعل نفيح عبيره يظهر للعالمين ,وأختنا قد ظهرنفيح عبيرها للناس بما أكرمها من كرامات تجعل من يسير بركب الصالحين يثبت , ومن تخلف يلحق بهم , لينال شرف الدارين والذكر الحسن بعد الممات.

أما حالها عند وفاتها فيقول ابنها الذي كان معها: كانت قبل الحادث منشغلة بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم - ومن عاش على شئ مات عليه-

وتقولها من غسلتها: حزنت لما بلغني خبر وفاتها ولكني عندما رأيتها على نعشها فرحت بمنظر وجهها وقد علته ابتسامة عريضة تنبئ عن فرحتها - بإذن الله - بما أعد الله لمثلها من الصالحات.

ومما أكرم الله به هذه المرأة أن جعل الصلاة عليها في مسجد نبيه عليه الصلاة والسلام الذي طالما صلت فيه وسألت ربها أن يختم لها بخير ,فيصلي عليها فيه وتدفن في مقبرة البقيع بجوار أمهات المؤمنين وأصحاب نبيه رضوان الله عليهم أجمعين ,لتفوز بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام "اللهم اغفر لأهل البقيع الغرقد" أخرجه مسلم.

قال أهل العلم:وهو دعاء عام لكل من دُفن بالبقيع

اللهم اغفر لأم مازن ,وارفع درجتها في عليين , وأخلفها في عقبها في الغابرين.

الكاتب/ عادل بن عبدالعزيز المحلاوي

[email protected]

لجينيات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير