تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- قبل أن تؤكد أن الشيخ بركات لم يوجد، وأنه لم يكن قط. عليك أن تعتبر ظروف الوجود، وأنواع الوجود. وأنا متأكد من أن الشيخ بركات كان موجوداً لكنه وجود من نوع شاعري خاص غريب.

- ولكن يا إخوة كيف انفجر الينبوع الغربي في الكفر على يديه إذا لم يكن موجوداً؟!

-لا، لا، هو موجود، لقد وجد على وجه ما.

أجاب المدير باستخفاف. تعني أنه وجود ذهني في الخيال؟

- أو ليس الوجود الخيالي وجوداً؛ أو ليس الأشخاص الأسطوريون موجودين؟

صحيح إنه ربما يكون وجود الشيخ بركات خيالياً، لكن افتراض وجوده، وتأكيد هذا الوجود، هو تأكيد على وجود الأشخاص الذين يمثلون الخير والصلاح في هذا المجتمع.

- لقد كان الشيخ بركات موجوداً. إنني أصر على ذلك، تفكروا أيها الأخوة قليلاً تصلوا إلى نتيجة تقول بأن شرط الوجود لا يشمل المادة فقط، إنه يعني فقط العلاقة بين الصفة والموضوع، إنه يعبر عن علاقة فقط، حتى الصفات يمكن أن تأتي بعد ذلك. والمهم هو الجوهر وبعض الصفات الذاتية كالوجود. وقضية الوجود مفروغ منها بالأدلة المنطقية.

وكيف ذلك يا أستاذ؟

- القضية بسيطة: - كل ما يقول عنه العلماء والمشايخ موجود فهو موجود.

- قال العلماء إن الشيخ بركات موجود.

- إذاً فالشيخ بركات موجود.

- المصيبة أن الشيعة الإمامية الذين قالوا بعصمة الأئمة أدى بهم هذا إلى التطرف فكيف بمن يقول بعصمة كل من وضع على رأسه خرقة ملفوفة؟!

- أتكفرني يا أستاذ السند والدليل؟!

- هو لا يكفرك يا أستاذ! طول بالك!

- ولكن لابد من الإقرار بأن الوجود من دون صفة هو - عملياً - عدم وجود شيء.

- ولكن صفات الشيخ موجودة وأكيدة. ألم تقرأ ما كتبت عنه الجريدة البارحة؟ - وماذا كتبت؟

- تحت عنوان» اكتشاف مقام الشيخ بركات «كتبت تقول:

ولد الشيخ بركات قدس الله سره في قرية الكفر عام 1100هـ وهو من سلالة سيدنا خالد بن الوليد، وقد درس على عدد كبير من العلماء منهم فلان وفلان، ولقد اشترك مع الجيش التركي في إحدى معاركه مع الصليبيين. وما إن استبد به الحماس حتى نفخ عليهم، فآثار زوبعة ضخمة، رفعت الجيش المعادي مسافة مائة متر في الهواء، وسقطوا جميعاً مضرجين بدمائهم ...

ومن أين جاء الصحفي بهذه المعلومات؟

- وهل جاء بها من بيت أبيه؛ هذا تاريخ. ووالله أنت لا تصدق ولو رأيت الشيخ بركات بأم عينيك. وهل عدم معرفتك لدليل على صحة المعلومات يعني أن المعلومات غير صحيحة؟

- ولكن هذه دعوى وتحتاج إلى دليل، فالبينة على من ادعى، وعلي وعليك التثبت من صحة أي دعوى، وإلا ادعى كل واحد منا ما يحلو له.

- هذه ليست دعوى، إنها حقيقة، وأنت الذي تدعي عدم صحة الخبر، وعليك البينة.

- يا رجل لا تحمل الأمر أكثر مما يحمل، وتستخدم كل وسائل الجدل في إثبات قضية اخترعها خيال الأستاذ عادل، ليثبت بها غوغائية الجمهور، والسير بلا تثبت وراء كل ناعق.

- الأستاذ عادل اخترعها!؟ - أولاً: الأستاذ عادل يحب الجدل مثلك، وكل قضية يطلب عليها دليل، ودعواه عندنا غير مقبولة. فإنه من حقده على الأولياء والصالحين يدعي أنه هو الذي اخترع وجود الشيخ بركات، والشيخ بركات قدس الله سره موجود من زمن أجداده، ولن تنفعه دعواه شيئاً. وثانياً: فإن هذا الادعاء يزرع الشك في كل الأولياء والصالحين ومقاماتهم وكأن الدنيا خلت تماماً من الصلاح والصالحين. أعوذ بالله!!

وقرع الجرس وانصرف الأساتذة إلى الدروس، وسار الأستاذ سعيد مذهولاً مما رأى يحدث نفسه: معقول؟ غير معقول!. أيمكن أن تكون كل هذه الناس مجاذيب؟ والجريدة؟ أيمكن أن تردد ما يقوله الناس بدون تمحيص؟ غريب!!!

إن في الأمر لغزاً ما، كيف اجتمع المشايخ بالأمس في الدوار وأقاموا الحضرة (احتفال) للشيخ بركات؟ والشيخ بركات اخترعه الأستاذ عادل!! أيمكن أن يكون الخرف أصابهم جميعاً؟ غير ممكن!! غير ممكن!!

وبدأت تتسرب إلى ذهنه فكرة جديدة تحل له اللغز. وهي أن الشيخ بركات موجود فعلاً، وأن الأستاذ عادل يعلم ذلك مسبقاً وقد خدعه وأوهمه أنه هو الذي اخترع وجود الشيخ بركات.

وحاول الأستاذ عادل أن يزيل هذه الفكرة من رأسه لكنه لم يفلح.

واستمر النقاش في المدرسة على هذا المنوال عدة أيام، وكان العام الدراسي في أواخره، وقد انتهت المناقشات بذهاب كل أستاذ إلى بلده عندما حانت العطلة الصيفية.

* * *

وفي العام التالي ركب الأستاذ عادل والأستاذ سعيد الحافلة ذاهبين إلى المدرسة في الكفر، وكان الأستاذ عادل قد نسي الموضوع لكنه انتبه إلى الأستاذ سعيد وهو يتمتم في سره ببعض العبارات عندما أصبحوا على مقربة من الدوار. وكم كانت دهشتهم كبيرة عندما وجدوا بناءاً جميلاً لمقام الشيخ بركات ينتصب شامخاً على الدوار وبجانبه مسجد كبير فخم على الطراز المعماري التركي.

ابتسم الأستاذ عادل ونظر إلى الأستاذ سعيد.

لكن الأستاذ سعيد لم يعره كبير انتباه، بل طلب من السائق أن يتوقف قليلاً، ورفع يديه وقرأ الفاتحة على روح الشيخ بركات.

المصدر

مجلة البيان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير