تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أقوال أهل العلم الواردة في هذا الباب قول أبي الحسن علي ـ رضي الله عنه ـ: (إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى؛ فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق) (2)، وعن الحسن قال: (ما أطال عبدٌ الأمل، إلا أساء العمل) (3)، وقال الفضيل: (إن من الشقاء طول الأمل، وإن من النعيم قصر الأمل) (4)، وقال بعض الحكماء: (الجاهل يعتمد على الأمل، والعاقل يعتمد على العمل) (5)، وقال ابن القيم: (مفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة، ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل) (6).

فطول الأمل من تزيين الشيطان وسلطانه على قلوب الغافلين (7)؛ فلا آفة أعظم منه، بل لولاه ما وقع إهمال أصلاً، وإنما تفتر الهمم، ويسود العجز والكسل، ويقدم العبد على المعاصي، ويبادر إلى الشهوات، ويغفل عن الإنابة لطول أمله؛ فإنَّ الاستعداد نتيجة قرب الانتظار؛ فمن له أَخَوان غائبان وينتظر قدوم أحدهما في غد، وقدوم الآخر بعد عام فإنه لا يستعد للذي يقدم بعد عام وإنما للذي يأتي غداً؛ فمن انتظر مجيء الموت بعد سنة مثلاً، اشتغل قلبه بالمدة ونسي ما وراء المدة، وذلك يمنعه من مبادرة العمل؛ لأنه يرى نفسه في متسع من الزمن، فيؤخر العمل (8)، ولله در القائل: (إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجَلي أقل من ذلك) (9).

فيا ناصحاً لنفسه أَقْصِرِ الأملَ! واستعد للحساب قبل حلول الأجل؛ فإن (ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أمانٍ، والوقت ضائع بينهما) (10)؛ فإن لم تستطع ذلك فاعمل عمل قصير الأمل؛ فإن سعادتك في ذلك، ودع عنك التسويف؛ فإنه من أعوان إبليس (11). يقول الحسن: (إياك والتسويف؛ فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غد لك فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم) (12).

? خامساً: فقه نهج التقرب:

غاية العبد من تعبده النجاة يوم القيامة وعلو المرتبة عند الله تعالى، وإن من أعظم السبل الموصلة لذلك فقه الكيفيات والتوجيهات التي رسمها الشارع في باب التعبد، والتي يتمكن بها العبد من مداومة العمل ومضاعفة الأجر، ولعل من أبرز ما ينبغي فقهه في هذا الجانب ما يلي:

1 ـ المسارعة إلى العمل:

حثت الشريعة على المبادرة إلى الطاعات وعدم الإبطاء في أدائها. قال ـ تعالى ـ: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]، وقال ـ سبحانه ـ: {وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة» (13)، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (14)، وعن أحمد قال: (كل شيء من الخير يبادر به) (15)، وقال ابن بطال: (الخير ينبغي أن يبادَر به؛ فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمَن، والتسويف غير محمود) (16).

فيا باغي الرفعة لا تسرح لنفسك في الطول؛ فما أنت إلا في مزرعة، من يجني منها أكثر يعلو عند الله قدره، وترتفع في الآخرة منزلته؛ فبادر إلى العمل قبل أن يبادر بك، فإنك عندها تغتبط بالمبادرة إلى الخير، وتندم على التفريط في أعمال البر.

2 ـ المداومة على فعل الخير:

المداومة على الطاعات هدي راشد، وجَّه إليه النبي -صلى الله عليه وسلم - ومارسه؛ فعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - سئل: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: أدومه وإن قلَّ» (1)، وعنها ـ رضي الله عنها ـ أن عمله -صلى الله عليه وسلم - كان دِيمة (2)، وأنه -صلى الله عليه وسلم - كان إذا عمل عملاً أثبته (3).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير