جاء الإسلام بعقيدة التوحيد: ليرفع نفوس المسلمين، ويغرس في قلوبهم الشرف والعزة والأنفة والحمية، وليعتق رقابهم من رق العبودية، فلا يذل صغيرهم لكبيرهم، ولا يهاب ضعيفُهم قويَّهم، ولا يكون لذي سلطان بينهم سلطان إلا بالحق والعدل، وقد ترك الإسلام بفضل عقيدة التوحيد ذلك الأثر الصالح في نفوس المسلمين في العصور الأولى، فكانوا ذوي أنفة وعزة، وإباء وغيرة، يضربون على يد الظالم إذا ظلم، ويقولون للسلطان إذا جاوز حده: قف مكانك، ولا تَغْلُ في تقدير مقدار نفسك، فإنما أنت عبد مخلوق لا رب معبود، واعلم أنه لا إله إلا الله.
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد، أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى فقد ذلت رقابهم، وخفقت رؤوسهم، وضرعت نفوسهم، وفترت حَمِيَّتُهم، فرضوا بخطة الخسف، واستناموا إلى المنزلة الدنيا، فوجد أعداؤهم السبيل إليهم، فغلبوهم على أمرهم، وملكوا عليهم نفوسهم وأموالهم ومواطنهم وديارهم؛ فأصبحوا من الخاسرين.
والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد وإن طلوع الشمس من مغربها، وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله، ويقولون للأول كما يقولون للثاني: "أنت المتصرف في الكائنات، وأنت سيد الأرضين والسموات".
إن الله أغير على نفسه من أن يسعد أقواماً يزدرونه، ويحقرونه، ويتخذونه وراءهم ظهرياً، فإذا نزلت بهم جائحة، أو ألمت بهم ملمة ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه.
يا قادة الأمة ورؤساءها، عَذَرْنا العامة في إشراكها وفساد عقائدها، وقلنا: إن العامي أقصر نظراً، وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب والأضرحة والقبور، فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله، وتقرؤون صفاتِه ونعوتَه، وتفهمون معنى قوله -تعالى-:
[قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ] (النمل: 65)،
وقوله مخاطباً نبيه: [قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً] (الأعراف: 188)،
وقوله [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى] (الأنفال: 17).
إنكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم:
وكل خير في اتباع من سلف * وكل شر في ابتداع من خلف
فهل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبراً، أو يتوسلون بضريح؟
وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند قبر النبي – صلى الله عليه وسلم - أو قبر أحد من أصحابه وآل بيته، يسأله قضاء حاجة، أو تفريج هَم؟
وهل تعلمون أن الرفاعي والدسوقي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله، وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين؟
وهل تعلمون أن النبي – صلى الله عليه وسلم - حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل نهى عنها عبثاً ولعباً؟
أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟
وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور،
ما دام كل منها يجر إلى الشرك، ويفسد عقيدة التوحيد؟
والله ما جهلتم من هذا، ولكنكم آثرتم الحياة الدنيا على الآخرة؛
فعاقبكم الله على ذلك بسلب نعمتكم، وانتقاض أمركم،
وسلط عليكم أعداءكم يسلبون أوطانكم،
ويستعبدون رقابكم، ويخربون دياركم،
والله شديد العقاب.
ـ[صالح محمد العجمي]ــــــــ[10 - 09 - 09, 04:25 ص]ـ
البيان الثاني لضيوف برنامج الحوار الصريح
بيان سلفي ـ إخواني ـ شيعي ـ صوفي مشترك حول
عدم صحة طلب المدد والغوث من الأنبياء والأولياء
بسم الله الرحمن الرحيم
لندن: في 16 رمضان 1430 هجري
6 سبتمبر 2009 ميلادي
بثت قناة المستقلة الفضائية في لندن حلقات يومية من برنامجها الثقافي "الحوار الصريح بعد التراويح"، في الفترة من 1 إلى 16 رمضان 1430 هجري، الموافق 22 أغسطس إلى 6 سبتمبر 2009، بإدارة رئيس القناة الدكتور محمد الهاشمي الحامدي.
دار الحوار حول رؤية المدارس الصوفية، والسلفية، والإخوانية (نسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين)، والشيعية، للعلاقة بين العقيدة والسياسة، ولموضوع التوحيد بوجه خاص. وشارك في النقاش ضيوف ممثلون لكل هذه المدارس.
وقد اتفق الضيوف المنتمون للمدارس السلفية والإخوانية والشيعية على اصدار هذا البيان المشترك:
اتفق المتحاورون في برنامج "الحوار الصريح بعد التراويح"، في قناة المستقلة، يوم الأحد، السادس عشر من رمضان 1430 هجري، على عدم صحة التوجه بالدعاء لغير الله سبحانه وتعالى.
واتفقوا بعد ذلك أيضا على عدم صحة الإستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى، وإظهارها بصيغة لفظية يقول فيها الداعي: مدد يا رسول الله مدد، أو مدد يا على مدد، أو مدد يا جيلاني مدد، أو مدد يا بدوي مدد، أو يا رسول الله أغثني، يا علي أدركني، يا جيلاني أغثني، وأمثال هذه الصيغ، لأنها بمدلولها اللغوي ظاهرة في طلب العون المباشر من المنادى (بفتح الدال)، وهو في هذه الصيغ غير الله سبحانه وتعالى.
وإذا أخطأ المسلم بطلب المدد والغوث من الأنبياء والأولياء، فالواجب على أهل العلم أن يوضحوا له ويبينوا له المنهج الصحيح، دون أن يرموه بالكفر.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
ضيوف البرنامج الموقعون على البيان:
1 ـ جمعة أمين، عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين في جمهورية مصر العربية.
2 ـ العلامة الشيعي المجتهد السيد علي الأمين، مفتي صور الجعفري السابق.
3 ـ د. عبد الرحيم ملازاده البلوشي، باحث إيراني متخصص في الدراسات الإسلامية. (من المدرسة السلفية)
4 ـ د. جلال الدين محمد صالح: أستاذ جامعي من أريتريا، متخصص في الدراسات الإسلامية.
5 ـ الكاتب المصري الشريف عبد الحليم العزمي، من الطريقة العزمية، من المدرسة الصوفية، ووافق على البيان وشارك في التوقيع عليه.
6 ـ انضم الى الموقعين على البيان، من خلال مداخلة هاتفية، الشيخ نبيه الإسماعيل، شيخ الطريقة الصوفية القادرية في دمشق.
¥