تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أيّها المسلمون، إنما شُرِعت الجماعة في المسجد لمقاصِدَ عظمى، منها التعارف والتآلف والتعاوُن والتكاتُف، فتصافَحوا يذهبِ الغِلّ، وتَسَامحوا تذَهب الشحناء، وخُذوا بأيدي بعضكم، وطهِّروا قلوبَكم مِن الأحقاد والضغَائِن، واستبدلوا القطيعةَ والجفاء بالصِّلة والمحبة والصَّفاء، وأدّوا حقوق بعضكم على بعض، وليعطِف غنيُّكم على فقيركم وقوِيّكم على ضعيفِكم، وكونوا عباد الله إخوانًا.

وصلّوا وسلِّموا على خيرِ البريّة وأزكى البشريّة، فقد أمركم الله بذلِك فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد ...

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[26 - 09 - 09, 05:41 م]ـ

الأولى

وبعد: فهذا بيت من بيوت الله يُبنى وتُشرع أبوابه لعباد الله الصالحين، وهذه واحة من واحات الإيمان تفتح ذراعيها للمؤمنين الصادقين، وهذا ملجأ أمن للحائرين التائهين؛ ليعودوا إلى رحاب رب العالمين، وليؤموا بيته فيكونوا من المفلحين.

المساجد ـ عباد الله ـ أماكن رفعها الله وأعظم قدرها، فقال عز من قائل: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36 - 38]. قال القرطبي في أحكام القرآن عن هذه الآية: " أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ أي: تُعظّم"، وقال ابن كثير في تفسيره: " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ أي: أمر الله بتعاهدها وتطهيرها من الدّنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها".

هذه هي المساجد، بيوت كرمها الله سبحانه، بل زاد في تكريمها بأن نسبها إلى نفسه سبحانه فقال: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، فأيّ رفعة أعظم من هذه الرفعة؟! وأي قدر أرفع من هذا القدر؟! ولقد كرم رسول الله بيوت الله فعلا وقولا، وأخبر بأنها أفضل البقاع في الأرض، يقول فيما أخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر: ((خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق)). وما دام رب العالمين قد رفع المساجد وأعلى ذكرها وكذلك رسوله الكريم فلا بد لنا من منطلق الإيمان والطاعة لله ورسوله أن نعلي المساجد ونحترمها ونرفع قدرها؛ لنكون عبادا خاضعين خاشعين لربّ العالمين عاملين بسنة خير المرسلين. فما الواجب علينا تجاه المساجد؟

إن الموفق ـ عباد الله ـ هو من وفقه الله سبحانه لخدمة بيوت الله واحترامها وتعميرها، فذلك هو الموفق وذلك هو المؤمن الحق؛ لذلك حصر الله أمر عمارة مساجده في هذا الصنف من الناس الذين نالوا هذا الشرف العظيم، يقول سبحانه: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وأقام الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُولِئَكَ أَن يَّكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18]. فالموفّق هو من اتجه إلى بيوت الله فعمرها بالصلاة والذكر والعمل الصالح، والمخذول هو من هجرها وابتعَد عنها؛ لذا فلنعلم جميعا أن تعميرنا لبيوت الله واحترامنا لها ليس منَّة منا، بل هو توفيق إلهي واصطفاء رباني يجب أن نشكر الله عليه ونحمده أن اختارنا من بين الناس لهذا الشرف العظيم، وهذا يدعونا جميعا أن نقوم بواجباتنا الشرعية نحو مساجدنا؛ لننال بحق هذا الشرف العظيم وهذه المنزلة الرفيعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير