تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أهم هذه الواجبات نحو بيوت الله إعمار هذه البيوت وعبادة الله فيها؛ لأن المساجد لهذا بنيت وهذه أول وظائفها، ومن هذه الواجبات أن لا ترفع فيها الأصوات، وأن يُبتعد فيها عن الهرج والمرج والصخب؛ لأنها مكان لاطمئنان القلوب وسكينة الأنفس وخشوع الجوارح، وأن يُبتعد فيها أيضا عن كثير من الأمور والمشاغل الدنيوية التي ليس محلها المسجد كالبيع والشراء وغيرها، يقول فيما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا رد الله عليك ضالتك)).

ومن الواجبات نحو المساجد أن لا يُبالغ في تزيينها وزخرفتها والتعالي فيها لأجل التباهي، فهذا أمر ممقوت وهو من علامات الساعة، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن من أشراط الساعة أن يتباهى الناس بالمساجد)) أخرجه ابن خزيمة.

ومن واجباتنا نحو المساجد أن نتزيّن لها وأن نهتمّ بهندامنا ورائحتنا إذا أردنا الذهاب إليها، فلا يعقل أن يتهيّأ المسلم بأحسن ثيابٍ وأحسن مظهر إذا أراد مقابلة بشر من الخلق ويهمل نفسه إذا أراد الدخول إلى بيت خالق الخلق ومقابلة جبار السماوات والأرض، يقول سبحانه: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، بل إن الإسلام يأمرنا إذا تلبَّسنا برائحة خبيثة كرائحة الثوم أو البصل أن نعتزل المساجد حتى لا نؤذي الملائكة ولا نؤذي المؤمنين، رغم أن أكل الثوم والبصل حلال في الأصل، يقول صلى الله عليه وآله وسلم فيما اتفق عليه الشيخان من حديث جابر رضي الله عنه: ((من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته))، وعلل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بأنه يؤذي الملائكة كما يؤذي البشر، ففي لفظ آخر للحديث يقول: ((من أكل من هذه الشجرة الخبيثة ـ أي: الثوم ـ فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس)) متفق عليه.

ومن واجبنا نحو المسجد أن نحفظه من الأوساخ والفضلات والمخلّفات البشريّة كالبصاق وغيره، بينما في وقتنا هذا لا يحلو للمسلم أحيانا البصاق إلا في المسجد، ولا يحلو له نزع أظفاره إلا في المسجد، يقول: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) رواه الشيخان عن أنس.

ويجب علينا أن لا نحقر في هذا المجال شيئا مهما صغر؛ لأننا مأجورون على ذلك، لا يضيع من أجورنا شيء، يقول فيما رواه أبو داود والترمذي من حديث أنس: ((عرضت عليَّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد))، والقذاة هي الأوساخ الصغيرة جدّا من تراب أو تبن أو غيره. فانظروا إلى شدّة صغر هذا الشيء وكيف حُفظ في ميزان الله الذي لا يضيع عنده شيء سبحانه، إلى غير ذلك من الأمور الواجبة على المسلم نحو المساجد.

ولا بد أن نعلم ـ عباد الله ـ أننا بتكريمنا للمساجد وابتعادنا عن هذه الإساءات والأعمال المشينة فيها إنما نتقرب إلى الله سبحانه، وننال بذلك أجرا عظيما.

وليعلم المسلم أنه عندما يكون في المسجد فهو ضيف على الله وزائر لله مستحق لتكريم الله له، فليستحضر هذا الأمر حتى ينال بركته ولا يُحرم أجره، أخرج الطبراني عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر لله، وحق على المزور أن يكرم الزائر))، بل إن قاصد بيت الله للصلاة فيه بنية مخلصة هو في ضمان الله، لا يضيع أجره ولا يخيب سعيه بإذن الله، فيا لها من كرامة ينالها المسلم بمجرد توجهه إلى المسجد، يقول كما في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة: ((ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل، ورجل خرج غازيا في سبيل الله تعالى ورجل خرج حاجا))، وها نحن نخطو في هذه الحياة ونكثر المشي إلى كثير من أماكن اللهو واللغو والغيبة والنميمة، وكلها خطوات محسوبة علينا ومسجلة في سجلاتنا يوم نلقى الله، ولكننا نغفل عن خطوات تزيد في حسناتنا وتكفر من خطايانا ألا وهي كثرة الخطى إلى المساجد، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟! إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير