الاستقلال فمُحيَت هذه المعاني التي ربما كان أهلنا يعتقدون بأنَّها من جملة ما ورثناه عن الاستعمار، وكان الأولى أن تغرس مثل هذه العادات الحسنة في المجتمع، وتهذَّب من بعض ما يعلق بها من الخرافات، وتدرج في إطار الإسلام الصَّحيح النَّقيِّ من الشَّوائب والسلوكيات الفاسدة.
4) بعض العادات:
من عادة أهل الجزائر أنَّهم يعقدون في كلِّ سنة في المساجد الكبيرة بالمدينة مجالس يحضرها العلماء وعامَّة النَّاس، تتلى فيها أحاديث البخاري، بطريقة محاطة بسياج من الأدب، وفي زمن مخصوص، وبتقاليد خاصَّة، وهي إلى عهد قريب كانت ما تزال موجودة، ثمَّ اندثر رسمها ولم يبق منها إلا الاسم، وقد حاول بعض الوزراء منذ عقد من الزَّمن إحياء هذه العادة، إلاَّ أنَّه لم يهيِّئ لها الأسباب التي يقوم كلُّ مشروع على أساسها، فذهب مشروعه أدراج الرِّياح، وجاء بعده مَن ألزم الأئمَّة بقراءة البخاري في المساجد على النَّحو الذي كان عليه علماء الجزائر فلم يزد على أن أصدر تعليمات لا ترقى إلى مستوى القضية، ومع ذلك فإنَّه ما تزال هذه العادة المستحسنة منتشرة في بعض الأماكن من وطننا، على غرار ما يفعله إمام المسجد الكبير بالجزائر العاصمة الشَّيخ ابن يوسف الذي على كبر سنِّه ما يزال قائما على إحياء هذه العادة.
5) مِن مظاهر هذه العادات:
من المظاهر الخاصَّة التي تميَّز بها أهل الجزائر في عقدهم لحلقات تلاوة أحاديث البخاري أنَّهم كانوا يفتتحون قراءته في يوم الأحد من الأسبوع الأوَّل من شهر رجب، ويختمونه في ليلة القدر من شهر رمضان المعظَّم.
وكانوا يجزِّؤون الكتاب على عشرة أجزاء معلومة يقرؤون في كلَّ أسبوع جزءًا مخصوصاً.
وكانوا يختارون أندى النَّاس صوتاً، وأجهرهم وأفصحهم قراءة لقراءته.
وكانوا يرتِّلونه على طريقة قراءة المصحف الشَّريف.
6) ختمة البخاري:
من الاحتفالات التي كانت تزدهي بها بعض المدن الجزائرية، الاحتفال بيوم ختم البخاري يوم ليلة القدر، فكان لهذا اليوم عند أسلافنا طابعه الخاص ونكهته الخاصَّة به، وهي أنَّه كان يجتمع فيه أعيان البلد وعلماؤه وحكَّامه وعامَّة الشَّعب في المسجد، وكان الأطفال يستقبلون الوفود ويرشُّونهم بماء الورد بالمرش المعروف عندنا بالجزائر، ويحيون ليلهم بالصَّلاة والذِّكر ويختتم المجلس بدعاء خاص: "اللهمَّ صلِّي أفضل صلاة على أشرف مخلوقاتك، سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلِّم، عدد معلوماتك، ومداد كلماتك، كلَّما ذكرك وذكره الذَّاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون".
وفي اليوم الموالي يفتتح مجلس الختم بعد صلاة الصُّبح بقراءة القرآن، وقراءة ترجمة الإمام البخاري، وبيان فضل كتابه الصَّحيح.
ثمَّ يقوم عالمٌ من أعيان العلماء بقراءة آخر الأحاديث من هذا الكتاب، وهو: "كلمتان حبيبتان إلى الرَّحمن، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، ويسترسل في شرحه وذكر الأحكام المتعلِّقة به، فيعيد الجميع ذكر هذا التَّسبيح مائة مرَّة، ويختم المجلس بالدُّعاء المعهود: "الحمد لله حمد معترِف بذنبه ... الخ"، ويُرشُّ الحاضرون بماء الورد كذلك، وتوزَّع الحلويات بكلِّ أنواعها على الحاضرين، ثمَّ ينصرف الجميع إلى حاجته.
هذه بعض مظاهر هذا الحفل الذي كانت مدن الجزائر تعيشه في مثل هذا اليوم، والذي حاول بعض القائمين على إدارة الشُّؤون الدِّينية بالجزائر أن يعيدوا تجسيده وتحقيقه من غير أن يعدُّوا له عدَّته الخاصَّة به.
7) قراءته في النَّوازل:
ومن تقاليد أهل الجزائر أنَّهم كانوا إذا أصابتهم المحن والبلايا في الأنفس والأموال والأولاد فإنَّهم كانوا يلجؤون إلى عقد مجالس لختم البخاري، ومَن سبر الأخبار، فقد كان الحكَّام يلزمون العلماء في حروبهم أن يعقدوا حلقات تتلى فيها أحاديث (البخاري) ليلا ونهارا، ويختم الكتاب بدعاء بالنَّصر للمسلمين، وكان الطَّلبة الذين يقرؤونه يسمَّون بـ: (جيش البخاري)، كما أنَّهم كانوا يقرؤونه عند حلول الطَّعون والأمراض الوبائية التي تأتي على الأخضر واليابس، وهو عندهم من باب التَّوسُّل بالأعمال الصَّالحة.
8) وفي زاوية الهامل:
¥