تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[خواطر في الدعاء وفضله]

ـ[أبوروضة]ــــــــ[27 - 09 - 09, 02:05 م]ـ

[خواطر في الدعاء وفضله]

حامد بن عبدالله العلي

سألني سائل ذات مرة: مَنْ أعظم الناس توفيقا، فقلت: من أُوتي التوفيق في الدعاء.

ذلك أنَّ الدعاء مفتاح كلِّ خيرٍ طرق الوجود، ولا أدلّ على ذلك من أنّ أعظم رحمة مهداة، وأعلى نعمة مسداة، وهو محمّد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هو استجابة لدعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكذلك ما نجا آدم عليه السلام بعد معصيته فحلَّت بركت نجاته على الوجود الإنساني إلاَّ بإستجابة الله تعالى دعاءه، إثر الكلمات التي تلقاها من ربه، فعلَّمه كيف يدعو ويسأل المغفرة، والتوبة، ثم تاب الله عليه وزوجه.

وما أعظم فقه الإمام الجليل مطرّف بن الشخير رحمه الله إذ قال: (تذكرت ما جماع الخير فإذا الخير كثير: الصوم، والصلاة .. وإذا هو بيد الله عز وجل، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله عزوجل إلاّ أن تسأله فيعطيك، فإذا جماع الخير: الدعاء).

وصدق رحمه الله، ما نال عبدٌ خيراً إلاّ بدعاء الله تعالى فيعطيه، إما بدعاءه لنفسه أو دعاء غيره له

ولهذا كان كلُّ ما أُويتناه، نحن أمّة محمد صلى الله عليه وسلم من الخيرات، والبركات، والعزّ، والنصر، كان إستجابة لدعاء نبيّنا صلى الله عليه وسلم لأمَّته.

ذلك أنَّ في الدعاء يتجلَّى الإقرار بالعبودية، وتمام الإفتقار إلى الله تعالى، وإظهار ذلك، وإعلان الإنقطاع عن الخلق إلى خالقهم، وعن العبيد إلى سيّدهم، ولهذا صار الدعاء أكرم شيء على الله تعالى.

وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ليس من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء) رواه احمد وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ولهذا صار: (من لم يسأل الله تعالى يغضب عليه) حديث صحيح رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، ثمّ قرأ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، رواه أصحاب السنن وغيرهم من حديث النعمان رضي الله عنه.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل العبادة الدعاء) رواه الحاكم، وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ولهذا يبقى الدعاء، الذي هو رأس العبادة، في الآخرة، فينفع الله بها العباد، بينما ينقطع غيره، فيدعو محمد صلى الله عليه وسلم ربه في المقام المحمود، ويدعو لأمته عند أنواع الشفاعات التي آتاه الله تعالى، ويدعو المؤمنون ربهم ويناشدونه أن يشفّعهم فيمن دخل النار ليخرجهم منها، فيستجيب الله تعالى ذلك اليوم أعظم الأدعية نفعا، وأعظمها بركة على الخليقة.

حتى إذا خرج من النار من خرج بالتوحيد , وبقى فيها آخر الخارجين، وأعصى الموحّدين، لم ينفعه في شقاءه ذلك اليوم، إلاّ الدعاء فيستجيب الله تعالى دعاءه فينجّيه من الخلود في الشقاء الأبدي.

والدعاء هو الذي لا يردّ القضاء غيره، كما قال صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرد القضاء إلاّ الدعاء، ولا يزيد في العمر إلاّ البر)، رواه الترمذي من حديث سلمان رضي الله عنه.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام) رواه الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ذلك أنَّ الله تعالى أقدره على شيء به يُردّ حتى القضاء، ومع ذلك عجز عنه!

وإنما كان كذلك، لأن الدعاء هو ملك الأسباب وسيُّدها، وهو أعظمها تأثيرا في المسبَّبات، وإن كان الجهال يظنّونه أضعفها، ولهذا لايلجأون إليه إلاّ بعد استنفاذ الأسباب الأخرى، ولهذا يقول قائلهم في سياق الإستهانة بشأن الدعاء: لانملك إلاَّ الدعاء، وهذا كلُّه من الجهل بحقيقة الدعاء، وبأثره العظيم.

ولأنَّ الدعاء هو ملك الأسباب وسيّدها، وجميع الأسباب الأخرى بالنسبة إليه كالجنود بين يدي الملك، وهو أعظمها تأثيرا، كان هو الذي يبقى إذ يسقط ما سواه.

فهل نصر الله تعالى رسله وأتباعهم إلاَّ بالدعاء، حتى لو ضاقت عليهم الأسباب، وتكالب عليهم الأعداء، وهل نصر الله تعالى نوحا، وهودا، وصالحا، وشعيبا، وموسى وهارون، وجميع الأنبياء عليهم السلام، إلاَّ بالدعاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير