فمن رفعهم الله تعالى وجب رفعهم وقد قال سبحانه [يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ] {المجادلة:11}.
حفظ الله تعالى علماء الأمة الربانيين، وأعلى ذكرهم، وزادهم من فضله، ونفع بهم خلقه، ورد عنهم قالة السوء، إنه سميع قريب.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين ..
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ] {البقرة:281}.
أيها المسلمون: من حق المسلم على أخيه المسلم أن ينصره ظالماً بأن يردعه عن ظلمه، وأن ينصره مظلوماً بأن يرفع الظلم عنه.
والظلم قد يكون قولاً وقد يكون فعلاً، ومن ظلم القول: غيبة المؤمن وبهته وذمه والطعن فيه، ومن انتصار المؤمن لأخيه المؤمن ردّ ذلك، وقد جاء في حديث أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النبي ^ قال: «من رَدَّ عن عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كان حَقًّا على الله عز وجل أن يَرُدَّ عنه نَارَ جَهَنَّمَ يوم الْقِيَامَةِ» رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي حديث آخر: «من حَمَى مُؤْمِنًا من مُنَافِقٍ أُرَاهُ قال بَعَثَ الله مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يوم الْقِيَامَةِ من نَارِ جَهَنَّمَ ... » رواه أبو داود.
فإذا كان ذلك في رد المسلم عن عرض أخيه المسلم، والانتصار له في مظلمته، فكيف إذن بالرد عن أعراض العلماء الربانيين، والانتصار لهم من طعن الطاعنين، ولا سيما إذا علمنا أن طعون كثير منهم في أهل العلم ليست لذات العالم وإنما هي لأجل تبليغهم العلم، وبيانهم للحق، واحتسابهم على الناس بأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؟! فالواجب والحال هذه أعظم؛ لأن في الذب عن العلماء ذباً عن الشريعة، وفي الانتصار لهم انتصاراً للملة.
إن ظاهرة الطعن في العلماء الناصحين، والتقليل من شأنهم، ودعوة الناس للعزوف عنهم، والمطالبة بإسكاتهم، أو إبدال غيرهم بهم من أهل السوء والضلال الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ... كل ذلك كان -ولا يزال- دأب المنافقين من عهد الرسالة حين سخروا بقُرَّاء الصحابة رضي الله عنهم في غزوة تبوك إلى يومنا هذا فأنزل الله تعالى فيهم [قُلْ أَبِالله وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ] {التوبة:65 - 66} ذلك أن خفافيش الظلام من أهل الأهواء والبدعة والتغريب والفساد لا يستطيعون القيام بوظائفهم في إضلال الناس وغوايتهم إلا حين يسود الجهل بالشريعة، ويضمحل العلم بموت العلماء، أو بسكوتهم عن بيان الحق والنصح للخلق.
وما الحملة الشعواء القذرة التي يقودها أذناب الغرب، ودعاة التغريب في بلاد المسلمين ضد العلم والعلماء إلا حلقة من حلقات تجهيل الأمة وصرفها عن دين الله تعالى إلى مناهجهم المنحرفة .. يقومون بهذه المهمة الخسيسة امتثالاً لإملاءات الغرب في تقاريرهم الاستراتيجية بقصد اختراق بلاد المسلمين وإفسادها، ولا يتورعون في سبيل تحقيق مرادهم عن الكذب والبهتان والتزوير والتأليب؛ ذلك أنه لا يردعهم عن بغيهم دين ولا أخلاق ولا مروءة، فهم وصوليون ذرائعيون، الغاية عندهم في إفساد الناس تسوغ كل وسيلة مهما كانت حقارتها وصفاقتها ..
وواجب على أهل الإيمان عدم تصديق هؤلاء المفسدين في أكاذيبهم، ولا الانسياق خلف أراجيفهم؛ فإنهم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها، كما يجب على أهل الإيمان الذب عن العلم والعلماء، ومعرفة قدرهم، وحفظ مكانتهم، والصدور عن أقوالهم؛ فإنهم أقرب الناس إلى الحق، وأنصحهم للخلق؛ لأنهم ورثة الأنبياء عليهم السلام، ولا أحد في البشر أعلم من الأنبياء ولا أكثر نصحاً منهم، وقد قال الله تعالى فيهم [وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا] {الأنبياء:73} كما قال في العلماء [بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ] {العنكبوت:49}
وصلوا وسلموا ...