إن السماع الجيِّد يتيح القاعدة الأساسية لالتقاء الآراء، وتحديد نقاط الخلاف وأسبابه. حسن الاستماع يقود إلى فتح القلوب، واحترام الرجال وراحة النفوس، تسلم فيه الأعصاب من التوتر والتشنج، كما يُشْعِرُ بجدّية المُحاور، وتقدير المُخالف، وأهمية الحوار. ومن ثم يتوجه الجميع إلى تحصيل الفائدة والوصول إلى النتيجة
4 - تقدير الخصم واحترامه:
ينبغي في مجلس الحوار التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف، وإعطاء كل ذي حق حقه، والاعتراف بمنزلته ومقامه، فيخاطب بالعبارات اللائقة، والألقاب المستحقة، والأساليب المهذبة.
إن تبادل الاحترام يقود إلى قبول الحق، والبعد عن الهوى، والانتصار للنفس. أما انتقاص الرجال وتجهيلها فأمر مَعيب مُحرّم.
وما قيل من ضرورة التقدير والاحترام، لا ينافي النصح، وتصحيح الأخطاء بأساليبه الرفيعة وطرقه الوقورة. فالتقدير والاحترام غير المَلَقِ الرخيص، والنفاق المرذول، والمدح الكاذب، والإقرار على الباطل.
ومما يتعلق بهذه الخصلة الأدبية أن يتوجه النظر وينصرف الفكر إلى القضية المطروحة ليتم تناولها بالبحث والتحليل والنقد والإثبات والنَّقص بعيداً عن صاحبها أو قائلها، كل ذلك حتى لا يتحول الحوار إلى مبارزة كلامية؛ طابعها الطعن والتجريح والعدول عن مناقشة القضايا والأفكار إلى مناقشات التصرفات، والأشخاص، والشهادات، والمؤهلات والسير الذاتية.
5 - حصر المناظرات في مكان محدود:
يذكر أهل العلم أن المُحاورات والجدل ينبغي أن يكون في خلوات محدودة الحضور؛ قالوا: وذلك أجمع للفكر والفهم، وأقرب لصفاء الذهن، وأسلم لحسن القصد، وإن في حضور الجمع الغفير ما يحرك دواعي الرياء، والحرص على الغلبة بالحق أو بالباطل.
ومما استدل به على ذلك قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) (سبأ:46).
قالوا: لأن الأجواء الجماهيرية والمجتمعات المتكاثرة تُغطي الحق، وتُشوِّش الفكر، والجماهير في الغالب فئات غير مختصة؛ فهي أقرب إلى الغوغائية والتقليد الأعمى، فَيَلْتَبسُ الحق.
أما حينما يكون الحديث مثنى وفرادى وأعداداً متقاربة يكون أدعى إلى استجماع الفكر والرأي، كما أنه أقرب إلى أن يرجع المخطيء إلى الحق، ويتنازل عما هو فيه من الباطل أو المشتبه.
بخلاف الحال أمام الناس؛ فقد يعزّ عليه التسليم والاعتراف بالخطأ أما مُؤيِّديه أو مُخالفيه.
6 – الإخلاص:
هذه الخصلة من الأدب متمِّمة لما ذكر من أصل التجرد في طلب الحق، فعلى المُحاور ان يوطِّن نفسه، ويُروِّضها على الإخلاص لله في كل ما يأتي وما يذر في ميدان الحوار وحلبته.
ومن أجلى المظاهر في ذلك: أن يدفع عن نفسه حب الظهور والتميُّز على الأقران، وإظهار البراعة وعمق الثقافة، والتعالي على النظراء والأنداد. إن قَصْدَ انتزاع الإعجاب والثناء واستجلاب المديح، مُفسد للأمر صارف عن الغاية.
وسوف يكون فحص النفس دقيقاً وناجحاً لو أن المُحاور توجه لنفسه بهذه الأسئلة:
- هل ثمَّت مصلحة ظاهرة تُرجى من هذا النقاش وهذه المشاركة.؟
- هل يقصد تحقيق الشهوة أو اشباع الشهوة في الحديث والمشاركة.؟
- وهل يتوخَّى أن يتمخض هذا الحوار والجدل عن نزاع وفتنة، وفتح أبواب من هذه الألوان حقهَّا أن تسدّ.؟
ومن التحسس الدقيق والنصح الصادق للنفس أن يحذر بعض التلبيسات النفسية والشيطانية فقد تتوهم بعض النفوس أنها تقصد إحقاق الحق، وواقع دخيلتها أنها تقف مواقف إنتصارِ ذاتٍ وهوى. ويدخل في باب الاخلاص والتجرد توطين النفس على الرضا والارتياح إذا ظهر الحق على لسان الآخر ورأيه، ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الآراء والأفكار ومسالك الحق ليست ملكاً لواحد أو طائفة، والصواب ليس حكراً على واحد بعينه. فهمُّ المخلص ومهمته أن ينتشر الحق في كل مكان، ومن أيّ مكان، ومن أيّ وعاء، وعلى أيّ فم.
إن من الخطأ البيِّن في هذا الباب أن تظن أنّ الحق لا يغار عليه إلا أنت، ولا يحبه إلا أنت، ولا يدافع عنه إلا أنت، ولا يتبناه إلا أنت، ولا يخلص له إلا أنت.
ومن الجميل، وغاية النبل، والصدق الصادق مع النفس، وقوة الإرادة، وعمق الإخلاص؛ أن تُوقِفَ الحوار إذا وجدْت نفسك قد تغير مسارها ودخلتْ في مسارب اللجج والخصام، ومدخولات النوايا.
< o:p>
ـ[ضيدان بن عبد الرحمن اليامي]ــــــــ[09 - 10 - 09, 05:21 ص]ـ
كسب القلوب مقدم على كسب المواقف.
ـ[إبراهيم بن حسن]ــــــــ[09 - 10 - 09, 02:36 م]ـ
موضوع قيم ,بارك الله فيكم.
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[09 - 10 - 09, 02:52 م]ـ
شيخنا الكريم ضيدان .. كسبت قلوبنا بطرح مثل هذه المواضيع الطيبة ..
التي تُهذّب النفس وتُصحّح المسار وتنير الطريق ...
فبارك الله فيك أينما كنت وحيثما حللت ...
محبك أبوراكان ...
¥