ومما يروي لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيه نظر:
لو كان صخرةٍ في البحر راسيةٍ ... صمَّاء ملمومةٍ ملسٍ نواحيها
رزقٌ لعبدٍ يراه الله لانفلقت ... حتَّى يؤدَّي إليه كلُّ ما فيها
أو كان تحت طباق السَّبع مطلبها ... لسهَّل الله في المرقى مراقيها
حتَّى تؤدَّي الَّذي في الَّلوح خطّ له ... إن هي أتته وإلاَّ سوف يأتيها
وأنشد ابن الأعرابي:
الحمد لله ليس الرِّزق بالطَّلب ... ولا العطايا لذي عقلٍ ولا أدب
إن قدّر الله شيئاً أنت طالبه ... يوماً وجدت إليه أقرب السبب
وإن أبى الله ما تهوى فلا طلبٌ ... يجدي عليك ولو حاولت من كثب
وقد أقول لنفسي وهي ضيِّقةٌ ... وقد أناخ عليها الدَّهر بالعجب
صبراً على ضيقة الأيَّام إنّ لها ... فتحاً وما الصَّبر إلاّ عند ذي الأدب
سيفتح الله أبواب العطاء بما ... فيه لنفسك راحاتٌ من التّعب
ولو يكون كلامي حين أنشره ... من الُّلجين لكان الصَّمت من ذهب
وقيل لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله العباد على كثرتهم؟ قال: كما قسَّم بينهم أرزاقهم.
ولسريج بن يونس المحدث:
يا طالب الرِّزق في الآفاق مجتهداً ... أتعبت نفسك حتَّى شفَّك التَّعب
تسعى لرزق كفاك الله مؤنته ... أقصر فرزقك لا يأتي به الطَّلب
كم من سخيفٍ ضعيف العقل نعرفه ... له الولاية والأرزاق والذَّهب
ومن حصيفٍ له عقلٌ ومعرفةٌ ... بادي الخصاصة لم يعرف له نشب
فاسترزق الله مما في خزائنه ... فالله يرزق لا عقلٌ ولا حسب
وقال آخر:
كم من قويٍّ قويٍ في تقلُّبه ... مهذّب الرأي عنه الرِّزق منحرف
وكم ضعيفٍ ضعيف الرأي تبصره ... كأنه من خليج البحر يغترف
أنشد أبو حاتم عن الأصمعي:
يا أيُّها المضمر همَّاً لا تهمّ ... إنك إن تقدر لك الحمَّى تحم
ولو علوت شاهقاً من العلم ... كيف توقّيك وقد جفّ القلم
قالوا: المقادير تبطل التقدير، وتنقض التدبير.
قال الشاعر:
إذا عقد القضاء عليك عقداً ... فليس يحلُّه إلا القضاء
وقال ابن المعتز:
يا مكلَّ العيس في ديمومةٍ ... يتبع الآمال كالباغي المضلّ
إنَّ مفتاح الذي تطلبه ... بيد المقدار فاصبر واتكل
فرغ الله من الرزق ومن ... مدَّة العمر ومن وقت الأجل
وقال أبو العتاهية:
وفدت إلى الله في وفده ... لألتمس الرِّزق من عنده
إذا ما قضى الله أمراً مضى ... ولم يقو حيٌّ على ردِّه
قال المفضَّل الضَّبِّي: قيل لأعرابيّ من أين معاشكم؟ قال: من أزواد الحاجّ. قلت: فإذا صدروا فبكى، ثم قال: لو كنا نعيش من حيث نعلم لم نعش. ثم قال: أتفهم؟ قلت: نعم، فقال:
هل الدَّهر إلاَّ ضيقةٌ فتفرَّج ... وإلا َجديدٌ ناضرٌ ثم ينهج
أرى النَّاس في الدُّنيا كسفرٍ تتابعوا ... على منهج ثم استقلُّوا فأدلجوا
فقال البربري:
يا أيُّها الظَّاعن في حظِّه ... إنَّما الظاعن مثل المقيم
كم من لبيبٍ عاقلٍ قلَّبٍ ... مصحَّح الجسم مقلٌ عديم
ومن جهولٍ مكثرٌ ماله ... ذلك تقدير العزيز العليم
حظك يأتيك وإن لم ترم ... ما ضرّ من يرزق ألاَّ يريم
كان يقال: بكّروا في طلب الرزق، فإن النَّجاح في التبكير.
قال أبو هريرة: إذا سأل أحدكم الله الرزق فلينظر كيف يسأل، فإن الله يرزق الحلال والحرام، ولكن ليقل الّلهم ارزقني ما ينفعني ولا يضرني.
قالوا: الرزق رزقان رزق لا يأتيك إلا بالتسبّب ورزق يأتيك به الله من حيث لا تحتسب. وقلت أنا الرزق رزقان. فرزق تطلبه، ورزق يأتيك عفواً.
قال عروة بن أذينة أو بكر بن أذينة، وهو الصحيح:
إنِّي لأعلم والأقدار نافذةٌ ... أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعييني تطلُّبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنِّيني
وقال آخر:
توكَّل على الرَّحمن في كلِّ حاجةٍ ... ولا تؤثرنّ العجز يوماً على الطّلب
ألم تر أن الله قال لمريم ... إليك فهزِّي الجذع يسَّاقط الرُّطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزِّها ... جنته ولكن كلُّ شيءٍ له سبب
وقال آخر:
ما يغلق الله باب الرِّزق عن أحدٍ ... إلاَّ سيفتح دون الباب أبوابا
وقال بكر بن حماد:
النَّاس حرصى على الدُّنيا وقد فسدت ... فصفوها لك ممزوج بتكدير
فمن مكبٍ عليها لا تساعده ... وعاجزٍ نال دنياه بتقصير
لم يدركوها بعقلٍ عندما قسمت ... وإنما أدركوها بالمقادير
لو كان عن قدرةٍ أو عن مغالبةٍ ... طار البزاة بأرزاق العصافير
وقال آخر:
قد يرزق المرء لم تتعب رواحله ... ويحرم الرِّزق من لم يؤت من تعب
¥