هوِّن عليك فإن الأمر مقدور ... وكلّ شيءٍ من الأشياء مسطور
والرِّزق والخلق والآجال قد قسمت ... وأحكمتها وزمَّتها المقادير
فليس يقدر مرءٌ صرف واحدةٍ ... منها ولو كثرت منه التَّدابير
كم من رأيناه ذا مالٍ وذا سعةٍ ... وذا غضارة عيشٍ وهو محبور
لا يعرف الله جهلاً خاطئاً حمقاً ... لولا غناه لعافته الخنازير
لم يركب الهول في قفرٍ ولا لججٍ ... ولا تكلَّف أمراً فيه تغيير
لكن أتاه الغنى حتَّى أناخ به ... وما تقدَّم منه فيه تفكير
وآخرٌ رجلٌ ناهيك من رجلٍ ... علاَّمةٌ بأمور النَّاس تحرير
قد جال في الأرض حتَّى لم يدع أفقاً ... شرقاً وغرباً وما في ذاك تقصر
وقد تكمَّلت الآداب واجتمعت ... فيه العلوم وما تحوي القماطير
ولم تفته من الأشياء واحدةٌ ... يحظى بها رجلٌ إلاَّ الدَّنانير
كان يقال: إذا لم يرزق الإنسان ببلدة فليتحوَّل إلى أخرى.
قال ابن القاسم: سمعت مالكاً:يقول بلغني أنَّ عمر بن الخطاب قال: من كان له رزقٌ في شيء فليلزمه.
قال وقال مالك: سمعت أهل مكَّة يقولون: ما من أهل بيت فيهم اسم محمَّدٍ إلا رزقوا ورزق خيراً.
قال العكّي:
يا ربّ فتيانٍ ذوي غربةٍ ... أبناء أسفارٍ مقلِّينا
ما أدركوا في طول تطوافهم ... خفضاً من العيش ولا لينا
وسهَّل الله بتوفيقه ... ما أمَّلوه للمقيمينا
وإذا الأرزاق مقسومةٌ ... يقسمها الله فيعطينا
ولسهل الورَّاق:
أرى اثنين في الدنيا وشتَّان ما هما ... وما منهما إلاَّ عجيبٌ شؤونه
أخو حركاتٍ في المكاسب معدمٍ ... على أنَّه فيها قليلٌ سكونه
وآخر مثرٍ ذو سكونٍ كأنَّما ... على رزقه ذاك السُّكون يعينه
ألا ربَّما يأسى اللبيب لما يرى ... ويكمد حتَّى تستهلّ جفونه
كريمٌ جفاه دهره فهو ضائعٌ ... ولا ريب إلاَّ أنَّ دهراً يخونه
ووغدٌ لئيم الطَّبع تحوي يمينه ... مكاسب ما خفت بهنَّ يمينه
فذاك على إقتاره ذو تجمّل ... وذا مقرفٌ جعد البنان ضنينه
إذا غاص في ذا مفكرٌ طاش عقله ... ولم يدر ما أسبابه وفنونه
جدودٌ وفيها للمفكر عبرةٌ ... طويلٌ بها وسواسه وشجونه
ولولا اعتصام المرء بالعلم إنه ... نجاةٌ لأهليه لساءت ظنونه
وما كان ربِّي عزَّ ربَّيبجائرٍولكنَّه علم عجيبٌ يصونه
شهدت بأن الله عدلٌ قضاؤه ... وإني بدين الموقنين أدنيه
وقال آخر:
وقد يحرم الله الفتى وهو عاقلٌ ... ويعطي الفتى مالاً وليس بذي عقل
وذلك عدلٌ من حكومة ربِّنا ... يجود ويعطي وهو ذو النائل الجزل
وقال آخر:
لا تعذلي لم أقصِّر ويك في الطّلب ... أيّ البلاد وأيّ الأرض لم أجب
هذا وفيّ خلالٌ كلُّها سببٌ ... إلى الغنى غير أن الرِّزق لم يجب
والله أحمد في رزقي فما صرفت ... عنِّي المكاسب إلاَّ حرفة الأدب
وقال الوليد بن عبيد البحتريّ:
وآيسني علمي بألاّ تقدُّمي ... مفيدي ولا مزرٍ علىَّ تأخُّري
ولو فاتني المقدور مما أرومه ... بسعيٍ لأدركت الذي لم يقدَّر
باب الحرص والأمل
الحرص على أكل الشجرة أخرج آدم من الجنة.
كان يقال: شدة الحرص من سبل المتالف.
وقال الأحنف: آفة الحرص الحرمان، ولا ينال الحريص إلاّحظّه.
كان الحسن البصريّ يقول: ما بعد أملٌ إلاّ ملَّ عمل.
كان يقال: من أطال الأمل أمات العمل.
قال بعض الحكماء: الإنسان لا ينفكُّ من الأمل، فإن فاته الأمل قوي على المنى.
قال: والأمل يقع بسبب، وباب المنى مفتوح لمن أراد الدخول فيه.
من كلام الحكماء: الرزق مقسوم، والحريص محرومٌ، والحسود مغمومٌ، والبخيل مذموم.
قال الخليل بن أحمد:؟ الحرص من شرّ أذاة الفتى لا خير في الحرص على حال
من بات محتاجاً إلى أهله ... هان على ابن العمِّ والخال
وقال غيره: الحرص مفسدة، والبخل مبغضة، والعجلة خطأ، والرفق يمن، والبذاء شؤم.
وقال آخر:
أيُّها الدَّائب الحريص المعنَّى ... لك رزقٌ وسوف تستوفيه