تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم يتحدث الفصل الثالث عن خصائص الحضارة الإسلامية، ويراها المؤلف في أربعة أمور: أولها: العالمية، إذ أن رسالة الإسلام لا تفرق بين جنس وجنس ولا بين عرق وعرق ولا تتوقف عند حدود، بل تتأسس على أن الإنسان هو خير المخلوقات على هذه الأرض، وأن جميع الكون مسخر له، وأن مصلحته ورفاهيته هي غاية الشريعة. ومن هذا المنطلق كانت المساواة بين البشر أساسا معلنا منذ أول يوم، وثانيها: الوحدانية، تلك الخصيصة التي سمت بالإنسان فوق عبادة أي شئ، وفوق الخوف من أي شئ، بل ليعرف أن كل شئ في هذا الكون مسخر له هو، وبوقوف حضارة الإسلام على مبدأ التوحيد تحققت المساواة بين البشر بشكل عملي، فكل البشر عبيد لله الواحد، بلا وسيط ولا معبد له سدنة وله كهنة، وبهذا انتهى تماما مبدأ أن الحاكم إله أو نصف إله أو حتى يسري فيه دم فوق بشري، وهو ليس إلا وكيل عن الأمة منوط بتنفيذ شرع من عند الله لا دخل له في وضعه وتقنينه، وانتهى وجود فوارق المراتب الكهنوتية بين البشر أو احتكار الصلة مع الآلهة، وانتفت كل مظاهر الوثنية، وساد تصور أن الإنسان هو سيد هذا الكون. وثالثها: التوازن والوسطية، بين الروح والجسد، بين علوم الشرع وعلوم الحياة، بين الدنيا والآخرة، بين المثالية والواقعية، بين الحقوق والواجبات. ورابع خصائص حضارة الإسلام –كما يرى المؤلف- هي: الصبغة الأخلاقية، فالأخلاق هي غاية الرسالة، كما قال –صلى الله عليه وسلم- "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِمَ مَكَارَمَ الأَخْلاَقِ"، وهكذا روعي الجانب الأخلاقي في العلم والحكم والتشريع بل حتى في الحرب وضع الإسلام "أخلاق الحروب"، وأهم ما في جانب الأخلاق أن مصدرها هو الوحي الإلهي فهي تامّة بعكس النظريات البشرية في الأخلاق، كما أن الالتزام بها ينبع من داخل الضمير باعتبار الأخلاق دينا يحاسب عليها المرء. وما يجعل الحضارة الإسلامية متفردة بين الحضارات أن خصائصها تلك هي خصائص دين فهي غير قابلة للتبدل أو التغير مهما تغيرت الأحوال والظروف، ولذا فهي خصائص خالدة لحضارة الإسلام.

...

يناقش الباب الثاني من الكتاب (إسهامات المسلمين في مجال الأخلاق والقيم)، وذلك من خلال خمسة فصول (الحقوق – الواجبات – الأسرة – المجتمع – العلاقات الدولية).

إن الأخلاق هي جوهر وأساس أي حضارة، وهي سرَّ بقائها عبر التاريخ والأجيال، وهو الجانب الذي إذا اختفى يومًا فإنه يُؤْذِنُ بزوال الدفء المعنوي للإنسان، الذي هو رُوح الحياة والوجود؛ والحضارات السابقة وحتى المعاصرة لم تحظ بقدر بارز أو إسهام مؤثر في هذا الجانب الأخلاقي، والحضارة الغربية المعاصرة نموذج واضح للاختلال بين القوة والأخلاق.

غاص المؤلف مستعرضا بما أمكنه من إيجاز غير مخل بما يشرعه الإسلام من حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الخدم والعُمَّال، وحقوق المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، وحقوق اليتامى والمساكين والأرامل، وحقوق الأقليات، وحقوق الحيوان، وحقوق البيئة. في فصل يثبت القفزة الهائلة وغير المسبوقة بل وغير الملحوقة التي أتت بها شريعة الإسلام.

ثم ثنَّى باستعراض الإسهامات الإسلامية في جانب الحريات، فناقش: حرية العقيدة في الإسلام إذ لا إكراه في الدين، بل لقد كفل الإسلام فوق حرية العقيدة حرية التعبير عنها ولكن بعيدا عن السخرية والمهاترات (وجادلهم بالتي هي أحسن). وكفل الإسلام حرية التفكير حين دعا بكل قوة لإعمال العقل وعاب على الذين يعطلون عقولهم وقواهم الحسية عن إدراك الواضحات فوصفهم بالأنعام بل هم أضل، والتفكير في الإسلام فريضة وهذا الذي تجسد من خلال "الاجتهاد" الذي أثرى الفقه الإسلامي عبر القرون. وحرص الإسلام على التمتع بحرية الرأي، بل بما هو أعلى من هذا وهو واجب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكم شهدت سيرة النبي من مواقف تدلنا على هذه الحرية. وأتى الإسلام أيضا بحرية النفس، حيث كل الناس أبناء لآدم، ولكنه سلك في تحرير العبيد وإلغاء الرق سياسة واقعية، بتجفيف منابع الرق، والحض على الإعتاق، وإيجاد الوسائل التي تساعد العبد لنيل حريته. وأخيرا حرية التملك: حيث كان النموذج الإسلامي في الموازنة بين الفرد والمجتمع نموذجا وسطا، يعطي الأفراد الحق في التملك ولكنه يحارب تضخم النزعة الفردية ويراعي مصلحة المجموع، فيمنع الفرد مما فيه ضرر لمصلحة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير