تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل نعرف الله]

ـ[أبو إبراهيم ابن أحمد]ــــــــ[15 - 10 - 09, 10:09 م]ـ

هل نعرف الله!

لقد كان فى نيتى أن أجعل مقالي هذا بعنوان: " نحن لا نعرف الله ", ولكني خفت من وقع مثله على قلب خاشع، وصدر منشرح بنور من الله ساطع؛ فعدلت عنه إلى هذا العنوان الذى بين أيديكم " هل نعر ف الله ".

أنا المذنب، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا المقصر في حق الله، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا المفرط في جنب الله، أسأل نفسي: هل أعرف الله!.

أنا الذي أراعي نظر المخلوق في غفلة عمن نظره إلي أسبق من نظري إلى معصيته، أسأل نفسي: هل أعرف الله!.

أنا الذى لو راعيت نظر الخالق كما أراعي نظر المخلوق، لتبدل حالي، وأشرق مآلي، أسأل نفسي: هل أعرف الله!.

أنا الذى يرق قلبي لحظات حين أتبع جنازة، ثم لا ألبث أن أعود إلى سابق غفلتي وقسوة قلبي، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى قد أجتهد فى رمضان، وأجهد وأجاهد، ثم أفر من الزحف فى غيره، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى تصير دعوى محبتى لله تعالى محل نظر، حين يتعارض رضا الله مع رضا الناس، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى آنس من الإنس بمن تألفهم روحي، ثم لا أجد مثل ذلك فى وحدتي، حين أخلو بربي، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى تؤلمنى غربه الوحدة، وتؤنسني مضار الخلطة، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى أعبد الله على ما أريد، لا على ما يريد، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذي لا أجزع من (شديد العقاب) وأسكن ل (الغفور الرحيم)، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى أغفل عنه ولا ينساني، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى أنقض العهود مع الواحد المعبود، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى أشرد وأغيب وأغفل وأضل، فلا أعود إلا متعلقاً بأمداد ألطافة، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى لا أغفر الذنب فى حقي مرتين، قد غفر لي ربي أو سترني كل يوم ألفاً أو ألفين، أسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى يأتينى من فضل الله وعطاياه على نية التقوى ما يبهرني، فأعجب كيف حال المتقين! وأسأل نفسي: هل أعرف الله!

أنا الذى أعرف أن سعادتي في طاعة ربي، وراحتي في قربه، ثم أنا أعصي مع ذلك وأشرد، أسأل نفسي: هل أعرف الله! ........ هل أعرف الله! ......... هل أعرف الله!

لو كنت أعرف الله الودود، فكيف أعجب من حالات حب وشوق، عاشها الصالحون الذين يعرفون أن الودود هو الحبيب (أى المحبوب)، وهو أيضاً المحب لأوليائه، يحبهم ويحبونه ([1]). ولقد قرن الله سبحانه اسمه الودود باسمه الغفور فقال] وهو الغفور الودود [([2])؛ إعلاماً بأنه يغفر الذنب، ويحب التائب منه، أو استدعاء لمودة العباد له سبحانه.؟

ولو كنت أعرف الله الرحمن الرحيم لسكنت نفسي واطمأنت ورضيت بمن هو أرحم بي من أمي الحانية.

لو كنت أعرف الله العفو الغفور لما تعاظمني ذنبي حتى كاد أن يهلكني ويؤيسني.

تعاظمني ذنبي فلما قرنتُه بعفوك ربي كان عفُوك أعظَما ([3])

لو كنت أعرف الله الحيي الستير، لاستحييت أن يراني على معصية وهو الذى يستحي أن يرفع العبد إليه يديه فيردهما صفراً خائبتين.

لو كنت أعرف الله الرزاق لطلبت حوائجى بعزة النفس آمناً مطمئناً؛ لأن رزقي في السماء] وفى السماء رزقكم وما توعدون [([4]).

لو كنت أعرف الله العدل لخشيت من وقوعى فى المظالم ولعلمت أن الله لا يُقر على الظلم؛ لأنه سبحانه هو العدل] وما ربك بظلام للعبيد [(5).

لو كنت أعرف الله الرقيب، الحسيب، الجليل، القوي، المتين، الجبار، الملك، المعطي، المانع، الضار، النافع.

لو كنت أعرف الله! … لو كنت أعرف الله! … لو كنت أعرف الله!

ماذا لو كنت أعرف الله تعالى بأسمائه وصفاته؟! معرفة العبد المملوك لسيده، لا معرفة الفيلسوف لمن يعبده!

لو كنت أعرف الله تعالى تلكم المعرفة، ورعيتها فى قلبي سقياً وتعاهداً لأثمرت فى سويداء القلب مع الليالى والأيام خشية ومحبه لله تعالى.

إنها دعوة لمعرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته

دعوة للتفقه فى الأسماء الحسنى

دعوة للجنه، فإن لله تعالى تسعه وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة

إنها دعوة للحياة.


(1) انظر التبيان في أقسام القرآن لابن القيم صـ 59.

(2) البروج 14.

(3) من ديوان الإمام الشافعى رحمه الله تعالى.

(4) الذاريات 22.

(5) فصلت 46

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير