إن مصلي الجمعة حين يسمع كلام الله تعالى في كلا الركعتين يذكره بدعوة الخلق إلى الحق فحري به أن ينطلق من المسجد وقد امتلأ قلبه بحب الدعوة لدين الله تعالى، ومحبة الداعين إليه، وبغض الذين يصدون عن دينه، ويعادون أولياءه، ويعارضون أحكامه، ويحادون شريعته، وينشرون الفساد في الأرض؛ لأنهم دعاة ضلال، يصدون عن الحق، ولا ينصحون للخلق، ولو زعموا أنهم مصلحون، فهي دعوى المنافقين من قبلهم ففضحهم الله تعالى [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ] {البقرة:11 - 12}.
ومن المعاني العظيمة التي اشتركت السورتان في تناولها زرع المراقبة في قلب العبد، فيجعل من نفسه رقيباً عليها؛ لعلمه أن الله تعالى رقيب عليه، لا يخفى عليه شيء من أقواله وأفعاله ولو أخفاه عن الخلق، وهذا المعنى العظيم جاء في قول الله تعالى في سورة الأعلى [إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَمَا يَخْفَى] {الأعلى:7} وهو محاسب عليه كما أفادته سورة الغاشية [إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ] {الغاشية:25 - 26}.
نسال الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه، وتدبر كتابه، والعمل به، وأن يكفينا شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، إنه سميع مجيب .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ] {البقرة:48}
أيها المسلمون: إن الله تعالى لم يخلق خلقه عبثاً [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ] {المؤمنون:115} ولم يشرع شرائعه لتعذيب العباد بها، والمشقة عليهم فيها، كيف؟! وهو القائل سبحانه [هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] {الحج:78} وإنما شرع سبحانه الشرائع لمصالح العباد في الدنيا والآخرة؛ فلا سعادة لهم إلا بها، وإن الشقاء كل الشقاء في الحيدة عنها، أو الاعتراض عليها، أو إبدال غيرها بها.
ولنعلم جميعاً أن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا لحكمة سواء أدركها الناس أم لم يدركوها [وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ] {فصِّلت:41 - 42} وما شرع سبحانه قراءة سور معينة في صلوات مخصوصة إلا لحكم عظيمة، يدركها من تدبر هذه السور وعرف معانيها، وأنار الله تعالى بصيرته، ورزقه الفقه في دينه.
افتتحت سورة الأعلى بتسبيح الله تعالى، وإثبات ربوبيته المستلزم لألوهيته، وذلك بذكر البداية والخلق والقدر، واختتمت سورة الغاشية بالنهاية والمئاب والجزاء والحساب، وبين البداية والنهاية في السورتين معان عظيمة، ومواعظ بليغة، وعلم نافع، وذكرى لمن أرخى لها سمعه، ووعاه قلبه، فأعطوا كتاب الله تعالى حقه من القراءة والفهم والتدبر؛ فإنه غياث القلوب وطمأنينتها، وفيه صلاح أحوال البشر في دنياهم وآخرتهم [قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {المائدة:15 - 16}.
وصلوا وسلموا على نبيكم ...
ـ[حارث ماهر ياسين]ــــــــ[16 - 10 - 09, 06:41 ص]ـ
هذه خطبة الحقيل للجمعة اليوم وفقه الله تعالى.