يقول أحد الكتاب الصحفيين: في إحدى الأيام قدمت بنت خالتي وزوجها من الصعيد ومعها خروف أنفقت في تربيته ثلاثة أعوام هي عمرابنها؛ لأنها نذرت للسيد البدوي أن تذبح على أعتابه خروفاً.
وبعد غد يبدأ العام الثالث موعد النذر. كانت تقول هذه العبارة وهي في قمة الابتهاج والسعادة، ونظراً لبعدالمسافة اكتفوا بالخروف وإلا فالذين على مقربة من السيد البدوي يبعثون بجمال وأبقار.
كنت أسأل نفسي كيف أقنعها بأنها في طريقها إلي الكفر، وماذا سيحدث حينماأحطم لها الحلم الذي تعيش فيه منذ ثلاث سنوات؟ وقلت أبدأ بزوجها أولاً؛ لأن الرجال قوامون على النساء وأخذت الزوج إلى زاوية في البيت وتعمدت أن يرى في يدي كتاب الإمام محمد بن عبد الوهاب وجعلت الغلاف ناحيته.
قرأ زوج ابنة خالتي عنوان الكتاب الذي يقول أن في الصفحات قصة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته فهتف صارخاًما هذا الذي أقرأه؟ وكيف وصلك هذا الكتاب فهو يعرف أنني رجل متزن أحرص على ديني وعلى زيارة الأضرحة وتقديم الشموع والنذور ولم يكن يعلم بتوبتي من هذه الأعمال الشركية والخزعبلات بسبب هذا الكتاب القيم.
ولم تكن المهمة سهلة فلابد أولا ًأن أطمئنه وأزيل ما بينه وبين سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ثم ما ترسب في ذهنه منزمن عن الوهابية والوهابين على حد فهمه واعتقاده.
وفي أول الحديث اتهم الوهابيةبعدد من الاتهامات دعوة التوحيد بريئة منها وبدأت بحماس أشرح له سر حملات الكراهيةوالبغضاء التي يشنها البعض على دعوة التوحيد وكيف أنها أحيت شعائر الشريعة وأصولالعبادات وفي ذلك القضاء على محترفي الدجل وحراس المقابر وسدنةالأضرحةالذين يكدسون الأموال عاماً بعد عام من بيع البركات وتوزيع الحسنات على طلاب المقاعد في الجنة فالمقاعد محدودة والوقت قد أزف ولا حول ولا قوة إلا بالله العليالعظيم.
ولم أكن أطمع في زحزحته عن معتقدات في ضميره عمرها أكثر من ثلاثين سنةفاكتفيت بأن طلبت منه أن ينظر في الأمر هل هؤلاء الموتى من أصحاب الأضرحة أكرم عندالله أم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يفكر ويأتي لي بالنتيجة دونما تحيزأو تعصب ووعدني أن يفكر.
ثم طلب مني أن أرافقهم في رحلتهم الميمونة إلى مدينةطنطا فقلت له: إن هذا هو المستحيل ولن يحدث، وإذا كان مصمماً على الذهاب هو وزوجتهإلى السيد البدوي حتى يعيش ابنهم فالمعنى الوحيد لذلك هو أن الأعمار بيد السيدالبدوي فحد النظر إليَّ وقال لا تكفريا رجل.
فقلت له: أينا يكفر الآخر أناالذي أطلب منك أن تتوجه إلى الله أم أنت الذي تصر على أن تتوجه إلى السيد البدوي، وسكت واعتبر هذا مني إهانة لضيافته وأخذ زوجته وابنه والخروف وهموا بالخروج وعندخروجه همست في أذن الزوج أنه إذا تفضل بعدم المرور علينا بعد العودة من مهرجانالشرك فإنني أكون شاكراً له وإلا لقي مني ما يضايقه وازداد ذهول الرجل.
ومضى الركب الغريب يسوق الخروف نحو طنطا، وبعد أيام علمت أن قريبتي عادت من طنطا إلى الصعيدمباشرة دون المرور علينا في القاهرة وأنها غاضبة مني وشكتني لكل شيوخ العائلة.
وفيالأسبوع الثاني فوجئت بزوج بنت خالتي على الباب فقلت في نفسي: هل جاءوا بخروف جديدونذر جديد لضريح جديد، دعوته للدخول فرفض فقلت: إذاً لماذا جئت؟ قال: أريد كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي عندك فجلست على أقرب مقعد وقلت: الحمد لله لعلها تسقط قلعة منقلاع الجاهلية، فأدخلته وقلت له: ما الأمر؟ قال: لقد مات ابني عقب عودتنا، إنا لله وإنا إليه راجعون هذا هو الولد الرابع الذي يموت له وكلما بلغ الطفل العام الثالث لحق بسابقه.
وبدلاً من أن يذهب إلى الأطباء ليعالج مع زوجته ببعض التحليلات والفحوصات اللازمة فقد يكون مبعث ذلك مرض في دم الأب أو الأم.
وانتظرت الأم بجهلها أن يتدخل السيد البدوي لكن حالة الطفل ساءت وفي آخر الأمر ذهبت به إلى الطبيب الذي أذهله أن تترك الأم ابنهايتعذب طوال هذه الأيام وكتب له بعض الأدوية، ولكن الطفل اشتد عليه المرض ولم يقوا جسمه على المقاومة فمات.
من موت الطفل بدأت المشاكل كانت الصدمة على الأم أكبر أن تتحملها ففقدت وعيها وأصابتها لوثة جعلتها تمسك بأي شيء تلقاه وتحمله على كتفها وتهدهده وتداعبه على أنه ابنها.
¥