تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعث الحضارة الإسلاميّة من جديد… دور النُّخبة

ـ[مزاحمة الركب]ــــــــ[23 - 10 - 09, 12:20 م]ـ

بعث الحضارة الإسلاميّة من جديد… دور النُّخبة

د. بدران بن الحسن

نشرت بموقع الاسم اليوم بتاريخ 9/ 11/1426 11/ 12/2005

لقد قضى العالم الإسلامي وقتاً طويلاً من عمره الحضاري باحثاً عن نقطة بداية لإعادة بناء حضارته من جديد، وإعطاء نفسه الحضاري دفعة تخرجه من حالة التراوح والتبطل التي استنفدت قدراته في جهود مضنية.

وكان لمالك بن نبي –عليه رحمة الله- رأي في مسألة التخلف الحضاري الشامل التي يعانيها العالم الإسلامي، ورأى منذ الأربعينيات من القرن الماضي أن العالم الإسلامي يهدر طاقته في حل مشكلات جزئية متغاضياً عن المشكلة الكلية التي تحتوي كل تلك المشكلات، ألا وهي مشكلة الحضارة.

ورأى أيضاً أنه طالما أن العالم الإسلامي يفتقد إلى الرؤية الواضحة لما يريد أن يقوم به فإنه لن يتمكن من صياغة مشروع للنهضة أو الخروج من التخلف، ولن يتمكن من تحديد وجهته ولا بناء منهج لبناء الحضارة، وذلك في تصوره راجع إلى أن “الرؤية تحدّد المنهج والوجهة”.

وبعبارة أخرى، فإن تصورنا لمشكلة العالم الإسلامي تصوّر جزئي ومفكّك، ولذلك فإن فهمنا للمشكلة فهم جزئي وعقيم؛ لأنه لا يحيط بكل أبعاد المشكلة، ولذلك فإن الحلول التي طُرحت كلها حلول جزئية؛ إن اهتمت بجانب أغفلت –عن قصد أو غير قصد- جوانب أخرى لا تقل أهمية عن الجانب الذي أولته اهتمامها. فأنتجت هذه التصورات الجزئية رؤى متناقضة ومشوهة وقاصرة في أغلب الأحوال، وغير قادرة على صياغة منهج لحل المشكلة الأم، ولا لحل المشكلات الجزئية المتراكمة.

ولذلك فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها بقوة على كل متأمل في ما نحن فيه من تردٍّ وتهلهل وتخلف شامل في العالم الإسلامي؛ فلماذا لم نستطع امتلاك هذه الرؤية المتكاملة لمشكلتنا في العالم الإسلامي؟ ولماذا لم نستطع بناء منهج قادر على الخروج بنا من المحنة التي نحن فيها؟

لعل هذا النوع من الأسئلة تراود كل من اهتم بأمر المسلمين، وسعى إلى المساهمة في فك خيوط الأزمة التي أُحكمت. ولا شك أن كثيراً من الإجابات راودت كل من طرح هذه الأسئلة على نفسه.

وفي تصوري، فإن الإجابة عن الأسئلة السابقة يمر حتماً بالإجابة عن سؤال أو أسئلة أخرى تتعلق بمن يتولى صياغة الرؤى الحضارية، ومن يقوم على بناء مناهج التغيير؟ هل هم عامّة الناس؟ أم هم النخبة من المجتمع؟

وإذا استقرينا التاريخ؛ تاريخ التغيرات الكبرى في تاريخ المجتمعات رأينا أن هناك دائماً “فرقة” تقوم بالمبادرة بحمل لواء التغيير، وتتبنى الأفكار والمشاريع والبرامج الجديدة التي تسوّغ على وفقها نمطاً جديداً للتفكير وصورة جديدة عن العالم، وبالتالي منهجاً جديداً لمعالجة الأمور.

ولنا في الأنبياء وأتباعهم أسوة حسنة، ولنا في تاريخ النبوات، وتاريخ الأفكار الكبرى، والأمم التي تعاقبت الريادة الحضارية في العالم، والمجتمعات التي سادت ثم بادت. لنا في كل هؤلاء خير دليل على أن هناك “نفراً” من كل “فرقة” يقومون بتغيير “القوم” وبصياغة منهج جديد للحياة.

ولذلك فإن مسألة القيادة التي هي النخبة أو النفر أو الفرقة التي تتولى شؤون القوم، وإنذارهم وإبلاغهم، وقيادتهم بالتعبير القرآني- هي المسألة المركزية في صياغة الرؤية والتصور الكلي الشامل من أجل أن تتبنى منهجاً يخرج قومها من ظلمات الفوضى إلى نور المنهج الواضح الأسس، البيّن الخطوات من أجل تحقيق مبادئ النخبة والمجتمع في أرض الواقع.

وفي هذا السياق فإن المشكلة في تصوري تتعلق بنمط القيادة التي تقود عملية التغيير الحضاري، ومدى وعيها واستيعابها للمعطيات المختلفة للواقع المعاصر، ولما يتطلبه القيام بمشروع بناء الحضارة من جديد من وضوح للرؤية وتوفر منهج شمولي متكامل للتغيير.

والحديث هنا يتجه أساساً إلى العلماء والمجتهدين والمثقفين، إلى النخبة التي تقود المجتمعات الإسلامية، ومدى قدرة هذه القيادات على قيادة مشروع بناء الحضارة الإسلامية من جديد، إن نظرياً أو عملياً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير