تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].

ومن معاني هذا الاسم: أنه سبحانه القريب من التائبين يجيب دعائهم، ويثبت جنانهم ويذيقهم من حلاوة القرب منه ما يعوضهم فقد ما فقدوه (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب) [هود:61]، وقد ثبت فى الصحيحين (ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) رواه البخاري (1094) ومسلم (758) وفى حديث آخر (أقرب ما يكون الرب من عبده فى جوف الليل الآخر) رواه الترمذي (3579) وهو حديث صحيح، ولكن التوبة لا تقبل إلا إذا كانت من قريب بأن تغتنم الحياة ويبادر بالرجوع والوقوف بباب الله قبل أن يحال بينك وبينه فتقول (رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) [المنافقون: 10].

كيف نحظى بالقرب!

الإيمان والعمل الصالح

إن كثرة الأولاد والأموال لا تقرب إلى الله، بل ربما كانت أعظم الملهيات والصوارف عن ذكر الله وطاعته والجهاد في سبيله، وفي هذا يقول الحق سبحانه (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأؤلئك لهم جزاء الضعف وهم في الغرفات آمنون) [سبأ: 37]، ولا تنال منزلة القرب إلا بالإيمان وصالح الأعمال، يقول سبحانه في الحديث القدسي: (وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري (6136).

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في قوله تعالى (واسجد واقترب) (واسجد لربك واقترب منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات، والقربات فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه) [4].

الصلاة بساط القرب

إن الصلاة هي وسيلة القرب الكبرى، وليس بين العبد وبين ذلك إلا أن يقبل على الله بوجهه ولا يلتفت، ثم يسجد فيزداد قرباً، (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب) [العلق:19] فالصلاة أعظم قربة إلى اللَّه حيث وجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم من أول الأمر وقال صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد).

إن لحظات السجود والقرب من الله هي ساعات كرم الله وبركته وعطائه الذي لا حدود له، ولا قيود، تهتبل فيها الفرصة بالدعاء والطلب، وتنثر فيها كنانة القلب بما فيه من أشواق ومطالب. قال صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) رواه مسلم. وقال الله سبحانه (واسجد واقترب). وفي الحديث أن رجلاً قال يا رسول الله أسالك مرافقتك في الجنة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أو غير ذلك؟) فقال هو ذاك. فقال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود). رواه مسلم. وفي الحديث: (ما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة) رواه مسلم عن أبي الدرداء. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلاه أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت أنا بالسجود فعصيت فلي النار) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. ويروى عن علي بن عبد الله بن عباس أنه كان يسجد في كل يوم ألف سجدة وكانوا يسمونه السجاد [5].

الذكر والدعاء

إن ساعات الذكر، ولحظات المناجاة والمناداة والابتهال هي لحظات قرب من الله ودواعي رحمته وإجابته، قال صلى الله عليه وسلم (إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) متفق عليه، رواه البخاري (6236) ومسلم (2704). وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه) رواه البخاري (6970) ورواه مسلم (2675)، وذكر الله يوجب القرب من الله عز وجل والزلفى لديه،ومن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطبا بذكره وإذا جعل المؤمن ذكر الله شعاره أثمر القرب من الله والتقنع بثوب الحياء منه وإجلاله، وهاج في قلبه هائج الهيبة والمراقبة.

مشهد القرب في عشية عرفة

عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء). رواه مسلم (1348). أي شيء أراد هؤلاء حيث تركوا أهلهم وأوطانهم وصرفوا أموالهم وأتعبوا أبدانهم، إنهم أرادوا المغفرة والرضا والقرب واللقاء ومن جاء هذا الباب لا يخشى الرد فالمغفرة شيء سهلٌ يسيرٌ على الله؛ إذ المغفرة لمن خلق من التراب، لا يتعاظم على رب الأرباب [6]

والحمد لله رب العالمين؛؛؛

يتبع في الحلقة القادمة بإذن الله ...

*/ كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم - الدراسات العليا

7/ 10/1428

http://www.al-aqidah.com/?aid=show&uid=3ypiw4ra


[1] انظر: طريق الهجرتين ص44، واجتماع الجيوش الإسلامية ص68، كلاهما للإمام ابن القيم، وجامع البيان في تفسير آي القرآن، للإمام الطبري 2/ 92، تفسير الأسماء الحسنى، للرضواني ص 68.
[2] ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (5/ 466). وينظر منه: (6/ 14)، وصفات الله، لعلوي السقاف ص 92.
[3] ينظر: الاعتقاد، للبيهقي ص60، والأسماء والصفات ص88، الأسماء الحسنى، للرضواني ص 70.
[4] ينظر: تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص (930).
[5] ينظر: تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير 4/ 527. بتصرف
[6] ينظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للقاري (5/ 510). بتصرف واختصار.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير