تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالمعاناة بكل أنواعها لازمة بين يدي نصر الله، قال الرسول _صلّى الله عليه وسلّم_: \"أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل\" (رواه الترمذي)، فالدماء والدموع والخراب والتشريد ثمنٌ ضروري لنيل النصر، و بالإضافة إلى هذا ينبغي التنبيه على أن المؤمن قد لا يرى بنفسه ثمرات جهاده بل تظهر بعد موته فالعبرة بالعمل والتضحية والثبات وإذا لم يقطف الثمرة هذا الجيل سيقطفها جيل مقبل كما تخبر بذلك أحداث التاريخ البشريّ لكنّنا نستعجل. ولنلاحظ التعقيب الرباني على قصّة أصحاب الأخدود \"إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير\"، فقد سمّى تضحيتهم فوزاً كبيراً (وهو تعبير لم يرد في كتاب الله إلاّ في هذا الموضع).

ومن أعظم معاني النصر الالتزام بالسير على منهج الله رغم الظلم والألم والموت والجراح والمؤامرات والتحديات والضغوط، ذلك أن الخوف الحقيقي ليس من أن يهزمنا الأعداء ونحن ثابتون على الحق ولكن الخوف كل الخوف من ألاّ نلتزم بدين الله فنستسلم أو نهزم بغير حرب كما حدث _مع كلّ أسف_ لدول عربية كثيرة خذلها قادتها ويريدون خذلان غزّة وحماس والقضيّة الفلسطينية برمتها.

ونختم بقضية هامّة هي أن واجبنا أن نصنع النصر لا أن ننتظر من يصنعه فنبقى في قاعدة الانتظار وغيرنا في ساحات الوغى والإنجاز والتغيير.

وبعد، فنحسب أن غزّة جمعت كل هذه المعاني المتعلّقة بالنصر وهي في أتون المحرقة اليهودية والتواطؤ الإقليمي، فهي _بقيادة حماس ومعية فصائل مجاهدة_ تقدّم التضحيات وتصبر على البلاء وتثق في نصر الله فتتألّم ولا تنكسر وتتوجّع ولا تموت وتتحمّل البأساء والضراء والزلزلة المادية والنفسية بفعل إجرام اليهود وتصنع النصر للموعد الّذي حدّده القدر الإلهي، كل هذا وهي مستمسكة بحبل الله لا تتزحزح عن انتمائها العقدي الّذي يساومها عليه المساومون متشبثة بسلاح المقاومة مقدامة بلا خور ولا تراجع لا تنتظر أن يصنع لها أحد النصر إلاّ الله عزّ وجلّ، فهي منتصرة لا محالة ويكفيها فخراً أن رفعت تحدّيا عجزت عنه دول \"كبيرة\" وصمدت أمام جيش يظنّ الخوارون أنّه لا يغلب، أفليست بهذا تستحقّ النصر؟ وإذا لم يرفع علم فلسطين في القدس خالد مشعل فسيرفعه أبناؤه وأحفاده لا محالة، وإذا لم يصل إسماعيل هنية في المسجد الأقصى فسيصل فيه تلامذته من غير شكّ، فقد أثبت هؤلاء الأبطال المجاهدون أنّهم أهل للانتصار، ويكفيهم أنّهم طووا صفحة التخاذل التي كتبتها الأنظمة العربية وفتحوا صفحة ناصعة تكتبها الجماهير المؤمنة بحقّها الملتفّة حول راية المقاومة والصمود، ولن يكون غد العرب مثل أمسهم بفضل الله وبفضل بشائر النصر المنبعثة من غزّة الّتي أوقدت جذوة لن تخبو أبداً بإذن الله حتّى تتحرّر فلسطين بل حتّى تتحرّر البلاد العربية من الاستبداد والاستسلام ... هذا هو النصر الّذي توقعه غزّة بدماء أبنائها.

\"ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا\"

بقلم عبد العزيز كحيل/ ( http://www.kl28.com/mag/writer.php?id=113)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير