حتى أن الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ لما أكثر عليه محبيه أن يرفق بنفسه، ويلطف بها، وأنه عليه أن يعمل باستمرار وإن كان شيئاً قليلاً، ومن هذه المواعظ.
قال رحمه الله تعالى: إذا كانت الروح تعمل؛ فالجوارح لا تكلّ!!
هذه إحفظها من الشيخ، إذا كانت الروح تعمل؛ فالجوارح لا تكلّ! المهم أن تعمل الروح، ولذلك على النقيض تجد الكسول جوارحه سليمه، مالذي تعطل فيه؟ تعطلت فيه روحه، فإذا كانت الروح تعمل فالجوارح لا تكلّ، وهذه قاعدة ذهبية.
* ألحَّ عليه أحد طلبة العلم أن يرفق بنفسه، ويتلطف بها، ولا يتعب نفسه، فقال له: يا هذا أين أنت من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي كان لا يحتجب عن الناس، والذي كان يقول أبغوني ضعفاءكم، إنني سأستمر على ذلك ما استطعت!
* كان الشيخ في مكة، فدعاه أحد محبيه إلى جُدة لحضور لقاء علمي، وإفتتاح مركز علمي من المراكز العلمية هناك، وكأنه طلب من الشيخ أن يحضر مبكراً ـ بعد المغرب ـ، فوافقه الشيخ على الحضور بعد إلحاح منه، فلما جاء من الغد، وجاءت صلاة المغرب، قال الشيخ: إنه يشق علي أن أذهب من الآن وأترك الناس الذين اعتادوا الحضور بعد المغرب! فقال: لا، لعلي أصلي هنا المغرب، ونجلس للناس، ونقضي من حوائجهم ما استطعنا، ونصلي العشاء، ثم نذهب إلى جُدة.
وفعلاً جلس للناس، وقضى ما استطاع من حوائجهم، وبعد أن صلى العشاء في مكة في المسجد المجاور لبيته، انطلق إلى جُدة، وهو كعادته؛ يركب في الخلف ويقرأ عليه من الكتب، فقرأوا عليه من الكتب حتى وصلوا إلى جُدة، ثم إنه حضر هذا اللقاء، وسمع ما قيل فيه من الكلمات والقصائد، ثم ألقاء كلمته رحمه الله، ثم دار على مرافق المركز، ثم تناول العشاء.
الشاهد: يقول الشيخ محمد الموسى ـ وكان مرافقاً له ـ: فعدنا إلى مكة في الساعة الثانية من الليل، وكان الشيخ من عادته أن يقوم لصلاة الليل الساعة الثالثة، وكان يوقضنا إذا قام، قال: فظننا أنه في هذه المرة لن يستطيع؛ لأنه من الصباح وهو يعمل!
قال: فنمنا، فلما كانت الساعة الثالثة فإذا الشيخ يوقضنا لصلاة الليل، أي كان نومنا ساعة واحدة! فقام وصلى، ولم ينتهِ الأمر هكذا! فلما صلى الفجر جلس للدرس، فقلت: الشيخ سينام نومة عميقة، فقال لي يا شيخ محمد: ركّب الساعة على الثامنة وثلث! فنمنا ثلثي ساعة، ثم قمنا وقرأنا عليه المعاملات إلى الظهر!!
الشيخ عنده جلد وصبر بروح الشباب رحمه الله تعالى.
* ومرة أخرى، دعي إلى مركز إسلامي، وكان هذا المركز متعدد الأدوار، فطُلب من الشيخ أن يصعد إلى الدور العلوي! فصعد الشيخ، ثم لما نزل، كأنه اتضح عليه بعض التعب، فقيل له في ذلك، قال: لا، أليس هذا في سبيل الله؟! أليس هذا في سبيل الله؟!!
فهو يحتسب كل شيء يعمله، ثم إذا احتسب هان عنده.
* ومن صبره وجلده ـ رحمه الله ـ مواظبته على الدرس، انظر الآن مع كثرة مشاغل الشيخ، وكبر سنه، ومع ما اعتراه من الأمراض، إلا أنه رحمه الله لا يترك الدرس أبداً! حتى أنه لما أصيب في ركبته، حضر الدرس على كرسيه المتحرك (عربيته)! ولم يترك الدرس.
* الشيخ بدأ التدريس في سن مبكر من عمره، بدأ التدريس في سنة 1357هـ، وقد ولد في الثلاثين، كما ذكر ذلك هو رحمه الله في مجموع الفتاوى في المجلد الثامن.
* كان يحضر الدرس قديماً بلا قائد، لأنه لم يكن له أحد يقوده، كان يحضر درس الفجر ولا يفوته أبداً، مع أنه لم يكن له قائد ثابت، فمرة يقوده أحد عماله أو من يكون في الشارع أو أحد أقاربه أو جيرانه أو طلابه، المهم هو: أن لا يتوقف على قائد يقوده، هو يحضر للدرس، إن جاء أحد يقوده أم لا، حتى عام 1413هـ حينما أنعم الله على إبنه أحمد فلازمه إلى وفاته يقوده رحمه الله تعالى.
* في حرب الخليج أُطلقت صواريخ على الرياض، وأُطلقت صاروخ قبل الفجر على الرياض بالتحديد في اليوم الخامس من شهر رجب من ذلك العام، فكان الناس في خوف ورعب، كما هو معلوم لديكم، فتخلف كثير جداً من الطلاب عن درس الفجر، فحضر قلة يُعدون على الأصابع، والذي فاجأهم أن الشيخ جاء على ما هو عليه! ما تغير عنده شيء أبداً، جاء والصواريخ تطلق على الرياض، وهو يأتي للدرس، ويلقي الدرس كما كان!!
¥