تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[كاتب]ــــــــ[05 - 11 - 09, 08:19 ص]ـ

... تابع ما قبله (الجزء الأخير) .....

وبعد هذه الواقعة بخمسة أشهر تقريبا، كان لهذا السلاح العربي مهمة أخري، فإنه في الثاني والعشرين من شعبان سنة 658 هـ (15) جهز العدو لعنه الله بطسا (16) متعددة لمحاصرة برج الذبان، وهو برج في وسط البحر مبني على الصخر على باب ميناء عكا، يحرس منه الميناء ومتى عبره المركب أمن من غائلة العدو، فأراد العدو أخذه ليبقى الميناء بحكمه، ويمنع من دخول شيء من البطس إليه، فتنقطع الميرة عن البلد، وقصد الإفرنج حصاره قبل مجيء ملك الألمان في الثاني والعشرين من شعبان ببطس كبار جهزوها، ومراكب عظام الآلات أبرزوها، ومكر مكروه، ودبر دبروه، وأحد تلك المراكب قد ركب برج فوق صاريه، لا يطاوله طود ولا يباريه، وقد حشي حشاه بالنفط والحطب، وضيق عطنه لسعة العطب، حتى إذا قرب من برج الذبان والتصق، بشرفاته أعدى إليه بآفاته ورميت فيه النار فاحترق، واحترق من الأخشاب والستائر ما به التصق، وتستولي النار على مواقف المقاتلة فتباعدوا عنها، ولم يقربوا منها، وأوقدت بطسة الحطب التي من ورائها، وعادت على الفرنج فالتهبوا، وحمي عليهم الحديد فاضطرموا واضطربوا، وانقلبت بهم السفينة فاحترقوا وغرقوا، والناجون منهم فارقوا وفرقوا ولم يفرقوا، واحتمى برج الذبان فلم يطر من بعدها عليه ذباب، ولم يفتح للعدو في الكيد له باب (17).

ومن مفاجآت التاريخ أن الدبابة الإسرائيلية (مركافا MERKAVA ) و (دبابات هتلر النازي) لم تكن هي أول ضحايا ذلك الاختراع العربي؛ فقد دُمرت به (دبابة للصليبيين) قبل ذلك بنحو ثمانمائة عام، قال أبو شامة: قال القاضي (18): ولما عرف ملك الألمان ما جرى على أصحابه رأى أن يرجع إلى قتال البلد، ويشتغل بمضايقته، فاتخذ من الآلات العجيبة والصنائع الغريبة ما هال الناظر إليه، وخيف على البلد منه، فمما أحدثه آلة عظيمة تسمى دبابة (19) يدخل تحتها من المقاتلة خلق عظيم ملبسة بصفائح الحديد، ولها من تحتها عجل تحرك بها من داخل، وفيها المقاتلة حتى ينطح بها السور، ولها رأس عظيم برقبة شديدة من حديد، وهي تسمى كبشا ينطح بها السور بشدة عظيمة، لأنه يجرها خلق عظيم فتهدمه (20).

كان العدو المخذول قد صنع دبابة عظيمة هائلة، أربع طبقات: الأولى من الخشب، والثانية من الرصاص، والثالثة من الحديد، والرابعة من النحاس، وكانت تعلو على السور، وتركب فيها المقاتلة، وخاف أهل البلد منها خوفا عظيما، وحدثتهم نفوسهم بطلب الأمان من العدو، وكانوا قد قربوها من السور، بحيث لم يبق بينها وبين السور إلا مقدار خمس أذرع على ما نشاهد، وأخذ أهل البلد في تواتر ضربها بالنفط ليلا ونهارا، حتى قدر الله تعالى حريقها واشتعال النار فيها، وظهر لها ذؤابة نار نحو السماء، واشتدت الأصوات بالتكبير والتهليل، ورأى الناس ذلك جبرا لذلك الوهن، ومحوا لذلك الأثر، ونعمة بعد نقمة وإيناسا بعد يأس (21).

ففي ثالث رمضان سنة 658 هـ زحف العدو على عكا في خلق لا تحصى، فأهملهم أهل البلد حتى نشبت مخاليب أطماعهم فيه، وسحبوا آلاتهم المذكورة، حتى قاربوا أن يلصقوها بالسور، وتحصل منهم في الخندق جماعة عظيمة، فأطلقوا عليهم المجانيق والسهام والنيران، وصاحوا صيحة الرجل الواحد، وفتحوا الأبواب، وهجموا على العدو من كل جانب، وكبسوهم في الخنادق، فهربوا، ووضع السيف فيمن بقي في الخندق منهم، ثم هجموا على كبشهم فألقوا فيه النار والنفط وتمكنوا من حريقه لهرب المقاتلة عنه فأحرق حريقا شنيعا، وظهرت له لهبة نحو السماء، وارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل والشكر، وسرت نار الكبش بقوتها إلى السفود فاحترق، وعلق المسلمون في الكبش الكلاليب الحديد، فسحبوه وهو يشتعل حتى حصلوه عندهم في البلد، وكان مركبا من آلات هائلة عظيمة، وألقي الماء عليه حتى برد حديده بعد أيام، وبلغنا من البلد أنه وزن ما كان عليه من الحديد فكان مئة قنطار بالشامي، والقنطار مئة رطل، ولقد أنفذوا رأسه إلى السلطان، ومثل بين يديه وشاهدته وقلبته، وشكله على مثال السفود الذي يكون بحجر المدار، قيل إنه ينطح به السور فيهدم ما يلاقيه، وكان ذلك من أحسن أيام الإسلام، ووقع على العدو خذلان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير