ومما يحقق التوحيد محبته ـ محبة التوحيد وأهله والذود عن أعراضهم والرد على مخالفيهم ـ، قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: من لم يحب التوحيد لم يكن موحدًا؛ لأنه هو الدين الذي رضيه الله لعباده، كما قال تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً). (7)
وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: من أحب الله أحب دينه، وما لا فلا.
كما أن الشرك أعظم سبب يمنع العبد من مغفرة الذنوب، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 88] وقال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48].
فتحقيق التوحيد واجتناب الشرك من أعظم الأسباب التي يتحقق من خلالها المغفرة للعبد، فقد أخرج مسلم عن أبي ذر (قال: سمعت رسول الله (يقول: «يَقُولُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ..... وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً». (8)
وأخرج الترمذي من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص (قال: سمعت رسول الله (يقول: «إِنَّ الله سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَتِي عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ، كُلُّ سِجِلٍ مِثْلُ مَدّ البَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئَاً؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحافِظُونَ؟ فيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ يَا ربِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَع هَذِهِ السِّجِلاَّتُ؟ فَقَالَ فَإِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ. قالَ: فَتُوْضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كِفَّةٍ وَالِبطَاقَةُ في كِفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَت البِطَاقَةُ، ولا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله شَيْءٌ» إسناده جيد، وقد صححه ابن حبان والحاكم. (9)
قال ابن رجب: من جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة ... إلى أن قال: فإن كَمُل توحيد العبد وإخلاصه لله تعالى فيه، وقام بشروطه بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما قد سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية، فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل من سوى الله محبة وتعظيماً، وإجلالاً ومهابة، وخشية وتوكلاً، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها، وإن كانت مثل زبد البحر. ا.هـ ملخصًا (10)
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى -:ويُعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك مالا يعفى لمن ليس كذلك، فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئاً البتة ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده، فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقي معه ذنب؛ لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب، ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة، والدافع لها قوي. ا.هـ. (11)
ثالثاً: الأعمال الصالحة:
هذا السبب من الأسباب العظيمة التي يحصل بها مغفرة الذنوب سواء كان العمل من الواجبات أو المستحبات، والأدلة على ذلك كثيرة جداً منها:
قوله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 32] فلا يدخلون الجنة إلا بغفران ذنوبهم.
وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال 2 - 4]، فإقامة الصلاة في وقتها وبأركانها وواجباتها وإخراج الزكاة وغير ذلك من الأعمال الصالحة سبب لمغفرة الذنوب والرزق الكريم.
¥