[خطبة مصيبة سيول جدة {لما طغا الماء} للمنجد]
ـ[المغربي أبو عمر]ــــــــ[04 - 12 - 09, 01:09 ص]ـ
الشيخ محمد صالح المنجد
مصيبة سيول جدة {لما طغا الماء}
الشيخ محمد صالح المنجد
الحمد لله العليم الحكيم، وصلى الله على نبيه الصابر الرحيم، وبعد
فإن من ابتلاء الله تعالى لخلقه ما حدث من سيول عارمة في مدينة جدة نتج عنها غرقٌ وهلع، ونقص في الأموال والأنفس والثمرات.
سبحان الله الواحد القهار، القوي العزيز الملك الجبار ... أتى أمره فداهم السيل الناس، وفي سويعات تحول جنوب شرقي المدينة التي تشكو شح الأمطار وقلة المياه إلى طوفان جارف، إلى سيل جرار يكتسح ما أمامه ويبتلع في جوفه ما يأتي عليه، حتى أضحى كارثة مؤلمة، ومأساة حقيقية، ستبقى ماثلة في ذاكرة كثير من الناس.
إنها فاجعة أربعاء جدة ... التي أصابت أكثرمن ثلث المدينة، وأنتجت أضرارا بالمليارات. ولا تزال المخاوف مما يمكن أن تحمله الأيام القادمة من أمر السيول وفيضان مياه الصرف تقلق النفوس وتقض المضاجع، نسأل الله السلامة واللطف والعافية.
إن مثل هذه الآيات الكونية العظيمة لابد أن يكون للمؤمن معها وقفات وتفكر واعتبار وهذا من سمات أولي الألباب والمتقين الأخيار.
والمؤمن البصير يقف عند مواقع العبر، وأحكام القدر، ينظر ويتدبر.
كل شيء بقدر الله.
فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وليس ثمة شيءٌ يحول دون نفوذ قدر الله في خلقه سبحانه وتعالى، وبذا يطمئن قلب المؤمن الموحِّد؛ لأن أمر الله سبق، ومشيئته نفذت.
قال الله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
وقال سبحانه: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
لله الحكمة البالغة
فتقديره سبحانه مبني على حكمته، وعدله، ذلك تقدير العزيز العليم، ولا يخرج شيء في الكون عن مقتضى هذه الحكمة.
ومن حكمته سبحانه جعل المصائب والكوارث سبباً للاتعاظ والتذكر والرجوع إليه (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)
كل شيء مسخر بأمره
فإذا قال لها أمطري أمطرت وإذا أمر الماء اجتمع وسال فالتقى الماء على أمر قد قدر، والضر والنفع بيده سبحانه، وما يجري من سيول وزلازل وبراكين وسائر جنوده، إنما هو بأمره وقدره لحكمة يريدها.
والناس ينظرون إلى الظاهر فيصابون بالدهشة وهم يرون السيل العرمرم بدواماته الرهيبة فربما غاب عنهم ماوراء ذلك من الحكم وقديما قال أهل البادية: نعوذ بالله من شر الأعميين والأيهمين أي: " السيل والبعير الهائج ".
ووصفا بالعمى لأنهما لا يتقيان موضعاً ولا يتجنبان شيئاً، كالأعمى الذي لا يدري أين يسير.
وسميا أيْهَمَين لعدم القدرة على دفعهما فلا هما ممن ينطق فيُكَلَّمُ ولا ممن يعقل فيُسْتَعْتَبُ.
السيل يقطع ما يلقاه من شجر ... بين الجبال ومنه الأرض تنفطر
حتى يوافي عباب البحر تنظره ... قد اضمحل فلا يبقى له أثر
وكان هذا مشاهدا في سيول جدة .. مياه تتدفق من كل مكان، لا حواجز توقفها، ولا جدران تصدها، تدمر كل شيء أتت عليه من أخضر ويابس، وصغير وكبير، ورجل وامرأة ... فابتلع السيل سيارات بركابها وبيوتا بسكانها .. حتى صارت الجثث تطفو فوق سطح الماء قال أحد من شهود العيان: قمت بِعدِّ الجثث التي تطفو على الماء من حولي ويجرفها السيل، فبلغت (38) جثة رأيتها بعيني.
وخُلق الإنسان ضعيفاً.
ما حدث يدل دلالة قاطعة على ضعف الإنسان، وافتقاره الذاتي إلى ربه، وأنه لا حول له ولا قوة إلا به ومن رأى ضعف الناس أثناء الكارثة وبعدها أمام هذا السيل الداهم ومخلفاته علم قبح الكبر والغرور فلا بد أن يعرف الإنسان قدر نفسه وقوة ربه سبحانه وتعالى فيفتقر إليه في أحواله كلها وينطرح بين يديه طالبا المعونة والتسديد والتوفيق ولا يستكبر عن عبادته ولا يتولى عن العمل بأمره (إن الله قوي عزيزُ). (وخلق الإنسان ضعيفا)
ما تدري نفس بأي أرض تموت.
¥