تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[«الانفلونزا» ... وانحسار التوكل والاتباع]

ـ[أبو عبد الرحمان القسنطيني الجزائري]ــــــــ[05 - 12 - 09, 12:40 ص]ـ

< table id="table2" border="0" cellpadding="0" cellspacing="0" width="98%">« الانفلونزا» ... وانحسار التوكل والاتباع

د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف (*)

طالما أن أهل الإسلام يرددون: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ} في كل ركعة من ركعات الصلاة، ويعتقدون وجوب عبادة الله - تعالى - واتباع شرعه، وفريضة التوكل على الله وحده والإيمان بالقدر ... فلا مسوغ لهذا الهلع الشديد، والفزع الكبير من انفلونزا الخنازير الذي استحوذ على جهات صحية وإعلامية، وانعكس على عموم الناس، بل إن في آراء بعض متفقهة هذا العصر تأثُّراً وانسياقاً لتلك المبالغات والتهويلات.

ومع زخم المعلومات وتعدد المتابعات لذلك الحدث إلا أن النظرة الشرعية لم تكن حاضرة، فضلاً عن الاحتفاء بها وترسيخها.

فالتوكل على الله - تعالى - وحده هو شرط الدين، وشرط في الإيمان، بل إنه ضرورة فطرية لكل إنسان؛ فمن البدهي أن يجد كل شخص في نفسه حاجة وافتقاراً إلى من يعتمد عليه، ويُعلِّق قلبه به؛ فالعبد لا ينفك عن استعانة واعتماد: فإما أن يعتمد على الله وحده، فيحظى بالتوفيق والكفاية، وإما أن يعتمد على غيره، فيشقى بالخذلان والحرمان.

إن هذا التوكل إيمان فطري ضروري يزكِّي الروح، ويقوي النفس، ويحرك الفأل الحسن، ويورث حركة إيجابية، لكنه صار مغيباً مهملاً في أحداث هذه الانفلونزا.

ولا يُقتصر على تذكير الناس بالتوكل على الله، والتوعية بذلك، بل يُحتاج إلى ترسيخه وتربية الأمة عليه، وإلَّا فما أكثر الذين يعرفون التوكل في حال السراء؛ لكنهم سرعان ما يضطرب أو يتقشع في حال الشدة والضراء ... كما قال المحاسبي: «ويصف التوكل على الله إن واتته الدنيا وأعطاه ما يحب ... فإن خولف هواه بضيق العيش أو عَرَض له خوف مخلوق .. اضطرب قلبه، وطمع فما في أيدي الناس» [1].

إن متديِّنةً في هذه الأيام قد عرفوا التوكل على الله، إلا أن الضعف والهشاشة تجاه الانفلونزا قد أقعدهم عن الاعتمار في رمضان، والاعتكاف في المسجد النبوي، والتنصل من مشاركات دعوية تخوُّفاً من سبب موهوم أو مظنون!

قال ابن تيمية عن أشباه هذا الصنف: «قوم ينظرون إلى جانب العبادة والطاعة، ولا ينظرون إلى جانب التوكل والاستعانة، وهو حال كثير من المتفقهة والمتعبدة؛ فهم مع حسن قصدهم، وتعظيمهم لحرمات الله ولشعائره، يغلب عليهم الضعف والعجز والخذلان؛ لأن الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه والدعاء له هي التي تقوي العبد، وتُيسِّر عليه الأمور» [2].

- وهذه «الانفلونزا» وسائر الأدواء مما قدَّره الله - سبحانه وتعالى - وشاءه، وهو - سبحانه - لا يخلق شراً محضاً؛ فالشر ليس إليه، وله الحكمة البالغة في شرعه وقدَره. قال ابن القيم: «الآلام والمشاق: إما إحسان ورحمة، وإما عدل وحكمة، وإما إصلاح وتهيئة لخير يحصل بعدها، وإما لدفع ألم هو أصعب منها. وقد أحصيت فوائد الأمراض فزادت على مائة فائدة ... ولهذا قالت العقلاء قاطبة: إن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وإن الراحة لا تُنال بالراحة» [3].

وأورد ابن القيم - في كتاب آخر - أنواعاً من العلاج الروحاني والأدوية الإلهية تجاه المصائب والأمراض [4]، فكان مما سطَّره - رحمه الله -: «ومن علاجها أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكمُ الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه - سبحانه - لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه به، وإنما ليمتحن صبره وإيمانه، وليسمع تضرُّعه وابتهاله، وليراه طريحاً ببابه، لائذاً بجنابه ...

والمقصود أن المصيبة كير العبد؛ فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا، فبين يديه الكير الأعظم ... وإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا خير له من ذلك الكير، وأنه لا بد من أحد الكيرين، فليعلم قَدْرَ نعمة الله عليه في الكير العاجل» [5].

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشرَّ أمسك عنه بذنبه، حتى يُوافى به يوم القيامة» [6].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير