تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[ذباب!]

ـ[ابن فرات]ــــــــ[05 - 12 - 09, 01:42 ص]ـ

قال أحد الحكماء: إذا رضوا عني جميع الناس فإنني أعد ذلك شهادة قدح بحقي وليست شهادة مدح!

وقيل لأحد الشعراء: إن فلاناً يعيبُ قصيدتك؟

فتمثل: لن تعدمَ الحسناء ذاماً!

وقال أبو مسلم الخرساني في مجلسهِ بخراسان ومن حوله علية القوم: من هو ألئم عرض؟

فقال الحاضرون في ذلك وأكثروا، فقال لهم: لا ليس فيما ذهبتم إليه، فإن ألئم عرض عرضٌ لم يرتع فيه مدحٌ ولا ذم.

فالذي يحمل ثمة قيمة، لابد وأن تجد له مؤيد ومخالف، قال الشاعر:

مدحتُ زهيراً ثم إني هجوتهُ ... " وما زالت الأشراف تُهجى وتُمدحُ "

وقال أبو الطيب:

لايسلم الشرف الرفيع من الأذى .... حتى يراق على جوانبه الدمُ

ولا نجاح إلا وله ضريبة لابد من دفعها، ربما تكون من الصحة أو الوقت أو التجريح أوالإنتقاص وهذه الضريبة الكبرى، والعاقل من تطيب نفسه بهذه الضريبة، معتبراً إياها وساماً على صدره مفاده أن نجاحه مؤثراً، وهذا أمر معلوم من العقل بالضرورة فإن الأنبياء وهم صفوة الخلق والصحابة رضوان الله عليهم والعلماء ونبلاء العقل البشري لم يسلموا خلال مسيرة نجاحهم من عواء حقود ولا نباح حسود.

ومَن ذا الذي تُرْضى سجاياهُ كلها ... كفى المرءُ نُبْلاً أنْ تُعَدَّ معايِبُهْ

فالمقصود أن من الناس من هو مريض بمرض معاداة النجاح، تصيبه عند ذكر النجاحات المشرقة حساسية مفرطة، تبدو آثارها على صفحات وجهه وفلتات لسانه، فلا تجده يثني على أحد ثناءً صادقاً وإن أثنى فلربما رجاء مصلحة ما، فتجده غالباً موكلاً بالتربص وراء كل ناجحٍ يتصيد سقطاته، فإن لم يجد ما يصطاده اختلق و زور ما يشفي غليل هواه المنتكس.

ولكن الإنسان الناجح حقاً يملك من الثقة بنفسه وقدراته وأدوات تَمَيُّزه ما يجعله يصبر ويكافح في سبيل الوصول الى طموحه، وسينال ذلك بعد توفيق الله، وأما إنْ التفت أثناء سيره لرشق سهامهم الهزيلة التي تسقط أسبقها على آثار أقدامه البارحة، محاولاً التصدي لها رغم علمه بضعفها وهوانها، فبشره بضياع الوقت وتشتت الذهن، ومما يجب أن لا يَسْتَغرِب منه الإنسان الناجح أنْ ربما كان مَن وُكِّل بالتقليل والتهوين من نجاحه أحد أقرب الأصدقاء أو من صميم الأقرباء!!

وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة ... على النفسِ من وقعِ الحسامِ المهندِ

وسبب ذلك ببساطة أن الناجح غالباً ما يكون أمامهم، فكما قيل شاعر الحي لايطرب، وليس في القريب ظرافة الغريب، ولأن أزهد أُناس في عالم جيرانه، أو لأنهم لا يريدونه أن يكون أفضل منهم بحال من الأحوال، فإن من الأقارب كما قيل عقارب، أو لأسباب أخرى يطول شرحها.

ولله درالمتنبي حين قال:

وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ ... فهيَ الشهادة لي بأني كاملُ

فإذا علمت أن هذا هو ديدن كل فاشل عاطل متكاسل، فاعلم أن لهم صفات مشتركة لا يخطئها متفرس، سنذكر بعضاً منها:

أولاً: الكسل والعجز!

صفتان استعاذ منهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولك أن تتخيل؟

تمرعلى أحدهم فتراه على حال سيئة، ثم تغيب عنه عقداً من الزمان فإن رجعت إليه وجدته على حال تركته عليها وربما أسوأ، فهم لا يعملون ولا يريدون من أحد أن يعمل لأنه بتفوقه يكشف عن حجم خيبتهم وعجزهم فيفتضحوا، فلهذا يقللون من قدر أي نجاح إذا لم يستطيعوا نسفه من أساسه.

وثانياً: الحسد!

تجد داء الحسد متفشٍ فيهم وقديماً كان في الناس الحسد، فالحسود لا يرضيه إلا زوال نعمتك فقط، ولكنه مسكين يقتل نفسه من حيث لا يحتسب، واعلم لو أن نجاحك لم يؤثر فيه لم يحسدك، قال الشاعر:

وشكوت من ظلمِ الوشاة ولن تجدْ ... ذا سُؤددٍ إلا أُصيب بحسَّدِ

لا زلت يا سبط الكرامِ محسَّداً ... والتافهُ المسكين ُ غيرُ مُحسَّدِ

واعلم أيضاً أنَّ من الحسد ما يصيَّره الله نعمة يسبغها على من يشاء من عباده، فيفوح منها أريج مكارمه، وشذا فضائله، كما قال أبو تمام:

وإذا أراد الله نشرَ فضيلةٍ ... طويت أتاح لها لسان حسودِ

لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يُعرف طيب نفح العودِ

وثالثاً: الكبر!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير