[قصص وعبر من كارثة جدة]
ـ[طويلبة علم]ــــــــ[07 - 12 - 09, 05:45 م]ـ
يومنا وسيل الأربعاء
كان صباح الأربعاء مختلف ..
ولؤلؤ الماء يزين ثوب الحياة .. ورائحة المطر تعبق في كل الأرجاء .. ولحظاتنا نقية بنقاء المطر .. ممزوجة بالدعاء ..
كنت وإخوتي (أمير؛ عبد الله؛ عبد الرحمن؛ إبراهيم) وأخواتي .. مجتمعين ومستمتعين بالمطر .. كان المطر قوي جدًا .. لحظات يتوقف ويبقى رذاذ .. وبعدها يصبُّ بقوة ..
تذكرت بعض صديقاتي في البيوت الشعبية .. وقلت: ربما تأثرت البيوت الشعبية الآن .. يا ليته يتوقف المطر ..
عبد الله يضحك .. ويقول: لا لا .. الآن في شارع جاك .. مطعم البلح البخاري أكيد غرق .. وتوصيل الطلبات سيكون سباحة ..
وبسخرية يمثل ليضحكنا .. "صديق أبغى واحد نفر رز" .. ومن ثم يمثل دور الصديق "العامل" كأنه يسبح ليحضر له نفر الرز ..
أمير: لا .. إن شاء الله يبقى هطول المطر حتى المغرب .. من أجل أن نحضر قوارب ونركب فيها ..
ما علموا وما علمت .. ماذا سيحدث بعد سويعات قلاااال .. !!؟؟
هنا تفرق جمعنا .. قبيل صلاة الظهر بساعة تقريبًا ..
أمير: ذهب إلى المجلس السفلي الكائن بفناء منزلنا ..
عبد الرحمن: ذهب إلى أصحابه _ بيت جيراننا_
عبد الله وإبراهيم .. مرة في الشارع وأخرى في البيت ..
* وقت صلاة الظهر ..
لم يستطع والدي الذهاب إلى المسجد .. بسبب المياه في الشارع ..
وأقام الصلاة جماعة هو وعبد الله وإبراهيم ..
وبين الفينة والأخرى .. نلقي نظرة من النافذة إلى الشارع ..
أصبحنا نرى السيارات تتحرك من أماكنها .. وحاويات النفاية أكرمكم الله تطفو ..
عبد الله نزل يجري وبقي ممسك بسيارته .. خائف أن تذهب مع عداد السيارات الذاهبة.
وسائقنا .. أيضًا ممسك بسيارتنا الجيمس .. ويصرخ ينادي .. يريد أحدًا يمسك معه السيارة .. (كلً على همه سرى .. كما يقال .. )
والدي أول ما ألقى نظرة من النافذة .. ردد .. (لا إله إلا الله .. والله إنه عذاب .. والله إنها القيامة .. تنبأ بقدوم سيل .. ) ونزل يجري ..
وأمي فقدت عبد الرحمن وبدأت تبكي .. أين عبد الرحمن .. تتصل به .. جواله موجود لدينا بالمنزل ..
في فناء المنزل .. أبي ينادي بأعلى صوته .. أمير .. اطلع فوق ..
يفتح أمير نافذة المجلس .. ويفاجأ بمستوى الماء .. _وما زاد الطين بله .. أن أمير قد وضع من قبل أن يأتي السيل التلفاز وبعض أثاث الغرفة على الباب .. خوفًا من أن يعدم الماء .. المجلس _.
أمير: أبويا أنا طيّب .. لكن ما أقدر افتح الباب ..
وبقي واقفًا على النافذة ..
هنا ذهب أبي إلى جدتي .. ساكنة بالدور الأرضي .. وعندها عمتي و 3 من أطفالها .. وخادمتان ..
بسرعة بسرعة يريد إجلائهم من المكان ليصعدوا إلينا ..
لكن قضاء الله كان أسرع .. فُجعوا بدفع الماء القوي .. يكسر الباب ويدخل عليهم ..
وما كان من أبي _ كما حكا لنا _ .. إلا أن أخذ الأطفال ووضعهم على النافذة .. وعمتي كذلك _وهي حاضنة طفلها الصغير _ .. تحطمت عليهم خزانة الملابس .. ومن لطف الله .. هذه الخزانة ثبتت أحد الكراسي التي كانت تطفو .. وقفت عليه جدتي .. والخادمات كذلك .. وأبي ممسك بجدتي .. وبالأطفال .. إلى أن هدأ الوضع .. وجدتي تبكي .. لا تخرج .. نموت أنا وأنت سويًا .. و أبي يرى من النافذة فلذة كبده .. أخي أمير .. والماء يرتفع يغطيه ..
* في لحظات .. ربما أقل من لمح البصر ..
أرى الماء غطى الدور الأرضي .. تمامًا .. ويوحي منظره بأنه لا حياة لمن هم في الدور الأرضي ..
هنا ودعت أبي .. ومن هم معه في الدور الأرضي ..
ورأيت أمير .. مره يهلل ويكبر .. وأخرى .. يرتل سورة الفاتحة ..
دقائق معدودة ولم أرى إلا رأسه .. وبعدها لم أرى إلا كفه يخرجها لنا ..
هنا أيضًا ودعت أخي أمير ..
الكل في حالة فزع وهلع .. يصرخ ويبكي ويدعي ..
أمي منهارة .. وتردد لا إله إلا الله رب العرش العظيم ... لا إله إلا الله الحليم الكريم ..
يا ربِ يا ربِ أنا مضطرة فأجب دعوتي .. يارب .. ومره تصلي .. وفي ركوعها .. تسمع الصراخ يزداد ..
وتسأل: مات أمير .. ؟؟ مات أمير .. ؟؟
ذكر الله وقتها كان أكبر من كل شيء وفوق كل شيء ..
سمعت صوت طفلة تردد بأعلى صوتها وتبكي "لا إله إلا الله" وتمدُّ في لفظ الجلالة (الله) .. مزقت قلبي وربي ..
كنت أظن مصدر الصوت .. منزل جيراننا ..
لكن علمت أنها (عهد) بنت عمتي محتجزة في الأسفل على النافذة .. تبكي .. وكانت تسمع صوت أمي .. وتردد معها ..
¥