تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وآخرون عُذبوا بتلف أموالهم، وذهاب زرعهم وثمارهم، فانقلبوا من السعة إلى الضيق، ومن الغنى إلى الفقر كما كان حال المفاخر بجنته [وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا] {الكهف:42} وكما كان حال أصحاب الجنة حين تقاسموا على منع الفقراء حقهم من ثمارها [فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ] {القلم:19 - 20}.

وعُذبت أمةٌ من بني إسرائيل بالمسخ، ففقدوا في لحظات آدميتهم، ونُقلوا إلى درك الحيوانية البهيمية، نعوذ بالله تعالى من سخطه [فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ] {الأعراف:166} وفي آية أخرى [وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ] {المائدة:60} وعُذب آخرون منهم بالذُل والهوان وتسليط الجبابرة عليهم قتلاً وأسراً وإذلالاً [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ] {الأعراف:167} وفي آية أخرى [ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا] {آل عمران:112}.

فالسعيد من تدبر كتاب ربه، واتعظ بما حلَّ بالأمم قبله، والشقي من أتبع نفسه هواها، فأوبقها وأشقاها، فلا بقيت له الدنيا، ولا سلم في الآخرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] {العنكبوت:40}.

بارك الله لي ولكم .....

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ] {البقرة:235}

أيها المسلمون: من حكمة الله تعالى في قَدَره، وعجيب صنعه في خلقة: أن الآية الواحدة من آياته يرسلها فتكون رحمة لقوم، وابتلاء لقوم، وعذاباً لقوم، وإنذاراً وتخويفا لقوم، فيجتمع في الآية الواحدة من آياته سبحانه: الرحمة والعذاب والابتلاء والإنذار والتخويف، وهذا يدل على حكمة العليم الحكيم [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] {الملك:14}.

وإذا كانت الأمم الغابرة المتعاقبة قد عُذبت بأنواعٍ من العذاب بحسب ذنوبها فإن الحضارة المعاصرة قد جمعت جميع الأسباب التي عُذب بها السابقون؛ لأن من يُدير دفتها ويوجهها هم الماديون الذين لا يؤمنون بالله تعالى رباً، ولا يقيمون لدينه وزناً.

فالشرك بالله تعالى، والاستكبار عن عبادته، ومعاداة رسله، ومحاربة شرائعه .. تلك الموبقات العظيمة التي عُذب بسببها السابقون هي البناء الأساس للحضارة المادية المعاصرة؛ إذ أُسست على تنحية الإيمان بالغيب، ونبذ الدين، وحصر العمل لأجل الدنيا!! وهؤلاء المستكبرون عن عبادة الله تعالى يريدون تعميم هذا الفكر الإلحادي على جميع البشر تحت لافتة الحرية التي من أهم بنودها مناهضة العبودية لله تعالى.

والجرائم الأخلاقية التي عُذب بسببها قوم لوط حين شاعت الفواحش فيهم أضحت في عصرنا هذا تُشرَّع بالقوانين في العلاقات المِثْلية، وتُفرض على الناس في بعض الدول، ويُلِّحُ الشاذون من الرجال والنساء على قبول الناس بقذارتهم.

والجرائم الاقتصادية التي فشت في قوم شعيب فعذبوا بسببها، والربا الذي استحله بنو إسرائيل فضربت عليهم الذلة بسببه، كل ذلك موجود في اقتصاد اليوم. بل إن مبنى الاقتصاد العالمي هو على الربا والقمار والغش والاحتكار، وهاهو الكساد الاقتصادي، والانهيار المالي يضرب الدولة الأولى ثم يمتد ليهوي باقتصاد مدينة دبي التي طالما غنَّى الليبراليون العرب بما فيها من حرية وفسوق، ونادوا بتعميم أنموذجها على سائر بلاد العرب.

إن آيات الله تعالى ونذره قد تتابعت كما لم تتابع من قبل، تمثل ذلك في أعاصير تسونامي ومانيمار وكاترينا وعمان .. أعاصيرُ شديدة اجتاحت مدناً، وابتلعت بشراً كثيراً، وزلازل ضربت الجزائر وتركيا والصين وباكستان وإيران وغيرها فخلفت ألوفاً من القتلى والمشردين، وأوبئة تظهر في البشر والحيوان من الإيدز وحمى الوادي المتصدع، وجنون البقر وأنفلونزا الطيور ثم الخنازير، وفتن وحروب يزداد اشتعالها كل عام عما قبله، وتلوث في البحار والهواء ينذر بعواقب وخيمة.

والمستشرفون للمستقبل يحذرون من مجاعات وأوبئة وفوضى قد تقع في أي لحظة، ولا دافع للبلاء إلا الله تعالى، ولا عاصم من أمره سبحانه، فاعتبروا بما ترون وتسمعون، وتوبوا إلى ربكم قبل أن يحل بكم عذابه، فإن قوماً من إخوانكم قبل أيام كانوا قائلين في فرشهم، آمنين في بيوتهم، متقلبين في نعمهم، أصابهم الغرق من حيث لا يشعرون، تغمدهم الله تعالى بواسع رحمته، وخلف على ذويهم بخير [وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ] {الأعراف:4} فاعتبروا يا عباد الله قبل حلول البلاء؛ فإن العذاب إذا حل بقوم لم يدفعه عنهم شيء [إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ] {الطُّور:7 - 8}

وصلوا وسلموا على نبيكم ....

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير