ومعلوم ان العنب أول ما يخرج يكون حصرما حامضا، ثم ينقلب إلى عنب حلو، ثم اذا ترك بعد ذلك مدة جف الماء الذي في حباته وذبلت قشرتها، وتحول إلى زبيب يدخر إلى حين.
وهذا هو التطور الطبيعي لثمرة شجرة الكرم والعنب: حصرم ثم عنب ثم زبيب.
وكذلك الإنسان لا بد له من ان يمر بالمراحل الأولى حتى يصل إلى الأخرى، ولا بد له من بدايات حتى يتدرج إلى النهايات، واذا ما أراد القفز فوق المراحل وتخطى البدايات، فيقال له: تزبب قبل ان يتحصرم، ومع هذا المثل الطريف نسوق هذه القصة اللطيفة:
كان من عادة العلماء السابقين ان يبتدئ الطالب بين أيديهم فيحفظ المتون ويدرس شروحها، ويترقى شيئا فشيئا من طالب إلى طالب مقرب إلى عريف حلقة إلى نائب عن الشيخ، حتى اذا ما تمكن من العلم وتضلع منه وشهد له شيخه بذلك، أمره أو سمح له ان ينفرد لنفسه بحلقة خاصة به، ليدرس فيها ما برع في دراسته، وقد يلجأ الشيخ قبل ذلك إلى أسلوب المناظرة، في امتحان الطالب وإظهار نجابته، فاذا ما تخطى ذلك سمح له بالتدريس واتخاذ التلاميذ.
يقول أبو علي القالي صاحب الأمالي في اللغة: درست على شيخ لي، حتى اذا مضت مدة من الزمن ظننت بعدها أني قد ألممت بأطراف العلوم، سولت لي نفسي باتخاذ حلقة، والانفراد بتلاميذ، فلم استأذن شيخي، بل لبست لباس المشيخة، وجمعت حولي في المسجد عددا من الطلبة، وأخذت ألقي عليهم درسا، بعد ان نفشت ريشي وتمشيخت عليهم.
ويشاء الله ان يدخل المسجد استاذي وأنا في الدرس، فلما رآني اقبل نحوي مستغربا، ووقف خلف الحلقة واستولت علي الدهشة، وأخذ يلقي عليّ بالاسئلة المحرجة تباعا، حتى أعييت وانعقد لساني، وانكشف جهلي وصغرت في عيون تلاميذي، فلما كان ذلك قال غاضبا زاجرا: يا هذا .. تزببت قبل ان تتحصرم .. قم من هنا يا كيت وكيت، ورماني بنعله، فعدوت هاربا لا ألوي على شيء تلاحقني ضحكات التلاميذ.
هذه القصة احفظها منذ زمن بعيد عن شيخي، ولكنها بين الحين والحين ترتسم صورتها أمامي كلما نظرت حولي فرأيت شبابا طريا عودهم، قليل من العلم تزودهم، ضحل رقراق علمهم، غزير بحر جهلهم، لا يكادون يحفظون من العلم طرفا، ولا من فنونه أحرفا، لم يدرسوا نحوا ولا بلاغة ولا صرفا، ولا أصولا ولا علة ولا عرفا، يستترون باسم الكتاب والسنة، وديدنهم الدائم إثارة الفتنة، عظيمة جرأتهم على الناس، لأخذهم من الحديث بلا اجتهاد ولا قياس، يتطاولون على العلماء الذين سبقوا، دون ان يكونوا بركبهم قد لحقوا، غرهم ان تجمع حولهم من الناس جهلة، مع ان كل هؤلاء أعداد مهملة، فلمثل هؤلاء يقال بلا مندم: تزببت يا هذا قبل ان تتحصرم.
ان من العيب ان يتولى أمثال هؤلاء إلقاء الدروس أحيانا في المساجد أو الدواوين أو الصحف، مع علمهم المؤكد ان في المساجد من الحاضرين أو في الدواوين من الجالسين أو لدى الصحف من القراء من لا يصلح هؤلاء حتى للتلمذة على أيديهم والجلوس للأخذ عنهم، فكيف لهم ان يتكلموا دون حياء ولا خجل من جهلهم الفاضح وبضاعتهم القليلة.
هل من الحكمة ان يترك دين الله لعبة في يد من شاء من الجهلة والبلهاء؟
إن لم يكن هناك قانون يمنع، فلتكن هناك أخلاق تردع .. !
إن لم يكن هناك حياء من النفس، فليكن ثمة خوف من معرفة العارفين وخبرة العالمين .. !
صحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أناسا حديثي الإسلام ليعلموا أقوامهم، ولكنه بعثهم إلى من هم أجهل منهم، وأمرهم بأشياء محددة كانت كافية لتصحيح مسار حياة من البساطة بمكان.
اما الأحاديث التي وردت عنه صلوات الله عليه في هذا المجال، فهي من باب الحث على نشر العلم وافشائه، لا من باب تصدي الجهلة، ومن لا يحسن قراءة القرآن للتعليم والنصح في الوقت الذي هو أحوج الناس إلى من يقوم لسانه ويصحح فهمه،
وإلى الذين لا يريدون استماع النصيحة نقول: سامحكم الله، لقد أصبحتم في أيدي أعداء الإسلام سلاحا فتاكا.
بارك الله فيكم أبا عبد المولى الجلاد
نسأل الله ان يجعلنا ممن تزبب بعد ان تحصرم
آمين.
كان أهل العلم يقولون: من تصدر قبل آوانه ضاع عليه علم كثير.
طالب العلم يشبه الثمرة إذا نبتت في أرض صالحة وسقيت بأطيب ماء ولبثت مدة زمنية طويلة فإن كل آكل منها يذوق طعماً لن ينسى. يا طالب العلم كن مثل تلك الثمرة الناضجة.
بارك الله فيكم على هذه النصيحة.
نفع الله بكم ..
كم انتفعنا بها والله ..
نسأل الله أن يعافينا
بوركتم، آمين.
بوركت يا أبو همام ... هذا هو معنى المثل الذي ضربه الشيخ (حفظه الله)
وإياك بارك الله.
[ QUOTE= علي بن زاهية;1409251] يا أحباب ما معنى كوعه من بوعه؟ [/ QUOTE
الكوع / رأس الزند الذي يلي الإبهام.
البوع / ما يلي طرفي يدي الإنسان إذا مدهما يمينا وشمالا، يقال: باع يبوع، وقد بعت الحبل بوعا، إذا قسته بباعك.