وسأكون مهتمًّا بالغَ الاهتمام أن أتعلَّم أكثرَ عن تقاليد هذه المجموعة المسلِمة، وعن ثقافتهم، واللتان تعيشانِ تحتَ تهديد بأن يضيع ذِكرُهما في غياهب النسيان إلى الأبد، وينبغي علينا أن نعترفَ اعترافًا حقيقيًّا أنَّ الشَّعب المسلِم في روهينجيا البعيد عن أعين غالبيةِ شُعوب العالَم، والمتجاهَل بفِعْل المصالِح السياسيَّة والاقتصادية في منطقة جنوب شرق آسيا - لا يتكبَّد حالةَ شتاتٍ طويلة الأمد يبحث خلالَها عن أوطان جديدة، ويبدأ في كل حين رحلات بالقوارب يمتطي فيها صهوةَ الأخطار بين أمواج المحيط الهادئ؛ بل إنَّه يُواجِه مذبحةً ثقافيَّة بطيئة وصامتة.
فهل لي أن أتوقَّعَ رؤية المسلمين من مختلف دول العالَم يحشدون طاقاتِهم؛ ليطالبوا بأن يحصل الشعبُ الروهانجيُّ على حقِّه في العيش بين جنبات وطنه، وأن يتَّخذ المجتمع الدوليُّ خطواتٍ جادَّةً لحماية الشَّعب الروهانجي، ولضمان حياةٍ هادئة وكريمة له؟
أعلمُ عِلمَ اليقين أنَّ هذا لن يحدث، وربما نجد بعض المنظَّمات - وأغلبها غير إسلاميَّة - تحاول أن تُعرِّف العالَم بالمأساة التي يعيشها شعبُ روهانجيا، وأن تُنظِّم مساعداتٍ إنسانيَّة لمصلحته، ومع ذلك فغالبيةُ المسلمين، وحتى أولئك الذين هم على أتمِّ استعداد لأن يصرخوا بعنف، وأن يسلكوا مسالكَ عنيفة، شتَّى لتحرير فلسطين - لن يَنْبِسوا ببنتِ شفة لمدِّ يدِ العون "لإخوانهم"!
كم مسلمًا سمع، ولو إمامًا واحدًا يذكر اسمَ الشعب الروهانجي في دُعائِه للأفغان وللفلسطينيين وللعراقيين، وربَّما للمجاهدين الشيشانين؟!
ربَّما يستغرق ذِكْرُ الأمور التي تسببت في هذا الفتور الواسع من جهة غالبية المسلمين تُجاهَ مصير المسلمين في روهانجيا منَّا زمنًا طويلاً، لكن دعوني أقل لكم: إنَّ كثيرًا من هذه الأسباب هي أسباب سياسيَّة بحتة، فكثيرٌ من الحكومات في الدول الإسلاميَّة أياديهم مُلوَّثة بدماء مسلمي روهانجيا؛ لكنَّهم ما يزالون يلعبون بكارت "الأمة الإسلامية الواحدة"، كما في موضوع الرسوم الكرتونيَّة الدنماركيَّة، حينما كان اللَّعِب بكارت الرسوم مطلوبًا لمصالحهم السياسية؛ لكنَّهم لا يلجؤون إليه حينما يَجِد مسلمون بسطاء - ليس لهم أهمية سياسيَّة يُقايضون عليها؛ مثل الشعب المسلم في روهانجيا - أنفسَهم مضطهدين مقموعين.
لا يجوزُ أن تصيبنا الدهشةُ حينما تتحوَّل معسكراتُ اللاَّجئين في بنجلاديش إلى ميدان تجنيد، بالغ السُّهولة للمدعومين مِن قِبل "كشافة المواهب"، التابعين لجماعات العُنف، التي بمقدورها أن تُوفِّر لهم ثمنًا في صورة جهاد يؤمنون به، وسبيلاً ليعبِّروا مِن خلاله عن خيبات أملِهم المتراكمة، خاصَّة من بين الشباب صِغارِ السِّن.
لم يفت الوقتُ على محاولة تحسين سُبُل عيش هؤلاء الناس؛ وإذا لم تكن لدى الحكومات الرغبةُ في حلِّ المشكلات التي يُواجِهها الشعبُ الروهانجي لأسبابٍ إنسانيَّة، ولحقِّ العدالة الدولية، فليفعلوها على الأقلِّ حفاظًا على أمنِهم وأمْن العالَم.
آملُ أن يستطيع المزيدُ من خبراء الأنثروبولجي - على الرغم من الصُّعوبات والمخاطر التي يتحتَّم عليهم أن يواجهونها في سبيل ذلك - أن يُظهِروا اهتمامًا أكبر بالتأليف في فرْع دراسة السُّلالات والأجناس البشرية، وعاداتها، وروايات المسلمين في روهانجيا عن ظروفِهم المعيشيَّة، وأن يُوثِّقوا كذلك المعاناةَ التي يتكبَّدونها قبلَ أن نكتشف يومًا أنَّ الوقت قد فات على فعل ذلك.
ـــــــــــــــــــــ
[1] ( http://www.alukah.net/articles/1/7249.aspx#_ftnref1) مسلمو بورما أو ميانمار كما تُسمَّى الآن.
[2] ( http://www.alukah.net/articles/1/7249.aspx#_ftnref2) المؤلِّف - كما يقول عن نفسه -: هو أستاذ متخصص في علم الأنثروبولوجي (علم دراسة الإنسان) في جامعة أبردين الأيرلندية، إيطالي الجنسية من مواليد فلورنس عام 1973، حصل على شهادته في الأنثروبولوجي من جامعة الملكة في بلفاست في أيرلندا التي سافر إليها للدراسة.
والكاتب له مقالاتٌ عديدة تسودها الموضوعية تجاه القضايا الإسلامية والأقليات المسلمة في الشرق والغرب، والدفاع كثيرًا عن حقوق المسلمين في العيش في الغرْب بأمان، بعيدًا عن فوبيا الإسلام التي يحاول كثيرون نشرها بين الغربيِّين.
منقول من موقع الالوكة