[كارثة جدة والعلاقة بين المصيبة والخطيئة د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه]
ـ[أم رائد مفرح]ــــــــ[23 - 12 - 09, 08:18 ص]ـ
كارثة جدة والعلاقة بين المصيبة والخطيئة
السبت 02 محرم 1431 الموافق 19 ديسمبر 2009
د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
من بين الأمور الملفتة للنظر في كارثة مدينة جدة -حماها الله، وحمى أهلها من كل فاجعة، وجعل ما أصابها تطهيرا ورفعة– اعتراض ورفض بعض الناس رد سبب الكارثة إلى الذنوب، وأن هذا التعليل ما هو إلا شماتة بالمصابين، وتغطية على السبب والمتسبب الحقيقي؛ وهم الذين رخصوا بالبناء في مجاري السيول، ووضعوا فيها المخططات، وباعوها مستغفلين الناس.
فهؤلاء أحرى بالنكير والتحذير، ولو كان السبب هو الذنوب، فهم المستحقون للعقوبة لا المساكين المستغفلين، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا سكنا لأولادهم وأزواجهم.
وفي خلاف كهذا، أمرنا ربنا جل شأنه –نحن المسلمون المؤمنون بما أنزل الله تعالى– أن نرجع إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليفصل في الخلاف والنزاع، فقال:
- "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" [الشورى:10].
- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" [النساء:59].
فما هو حكم الله تعالى في العلاقة بين الخطيئة والمصيبة؟.
بعد تقليب النظر في القرآن نقف مباشرة على النصوص التالية:
"وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" [الشورى:30].
هذه الآية ترجع سبب المصيبة إلى ما تكسبه الأيدي؛ أي ما تقترفه وتجنيه من الخطايا.
"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [الروم:41] والآية هذه تقرر: أن سبب ظهور الفساد في البر والبحر هو: ذنوب الناس.
هاتان آيتان تثبتان بوضوح العلاقة ما بين المصيبة والخطيئة. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وفي معركة أحد، لما خالف الرماة أَمْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم - بنزولهم من الجبل؛ لجمع الغنائم - ركب المشركون ظهورهم، وانقلب النصر هزيمة، وكاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقتل، لكنه أصيب وأدمي، فنزل على الإثر قوله تعالى: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [آل عمران:165]. إذن المعصية سبب في الكارثة تصيب الإنسان أو جموع الناس .. هذا واضح جدا في كلام الله تعالى، وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق على الهوى، إن هو إلا وحي يوحى كذلك، فعن ابن عُمَرَ قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ، حتى تَرْجِعُوا إلى دِينِكُمْ). سنن أبي داود (د2/ 274).
والذل للعدو من أشد المصائب ولا ريب، فهو أثر عن أكل الربا والاستغراق في الدنيا.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (يقول لَيَكُونَنَّ من أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إلى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عليهم بِسَارِحَةٍ لهم، يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ، فيقولوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا. فَيُبَيِّتُهُمْ الله وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (5/ 2123).
وهؤلاء أطبق عليهم الجبل جزاء: شربهم الخمر، وركوبهم الزنا، وسماعهم الأغاني بالمعازف (= الموسيقى)، ولباسهم الحرير.
وبعد هذا البيان والإقرار بحقيقة العلاقة بين المصيبة والخطيئة، فهل المعاصي سبب وحيد؟.
¥