تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ختام العام للحافظ ابن رجب رحمه الله]

ـ[أبو حاتم المهاجر]ــــــــ[26 - 12 - 09, 05:25 م]ـ

هذا مبحث من ضمن كتاب لطائف المعارف ..

خرج الإمام أحمد من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (لا تتمنوا الموت فإن هول المطلع شديد و إن من السعادة أن يطول عمر العبد و يرزقه الله الإنابة) فتمني الموت يقع على وجوه: منها: تمنيه لضر دنيوي ينزل بالعبد فينهى حينئذ عن تمني الموت و في الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي).

- و وجه كراهيته في هذا الحال أن المتمني للموت لضر نزل به إنما يتمناه تعجيلا للإستراحة من ضره و هو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت فلعله يصير إلى ضر أعظم من ضره فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار و في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (إنما يستريح من غفر له 9 فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت إلا أن يشترط أن يكون خيرا له عند الله عز و جل فكذلك كل ما يعلم العبد فيه الخيرة له كالغنى و الفقر و غيرهما كما يشرع له استخارة الله تعالى فيما يريد أن يعمله مما لا يعلم وجه الخيرة فيه و إنما يسأل الله عز و جل على وجه الجزم و القطع مما يعلم أنه خير محض كالمغفرة و الرحمة و العفو و العافية و التقى و الهدى و نحو ذلك و منها: تمنيه خوف الفتنة في الدين فيجوز حينئذ و قد تمناه و دعا به خشية فتنة الدين خلق من الصحابة و أئمة الإسلام و في حديث المنام: (و إذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون).

- و منها: تمني الموت عند حضور أسباب الشهادة اغتناما لحضورها فيجوز ذلك أيضا و سؤال الصحابة الشهادة و تعرضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور و كذلك سؤال معاذ لنفسه و أهل بيته الطاعون لما وقع بالشام.

- و منها: تمني الموت لمن وثق بعمله شوقا إلى لقاء الله عز و جل فهذا يجوز أيضا و قد فعله كثير من السلف قال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقا إلى ربي و قال أبو عنبسة الخولاني: كان من قبلكم لقاء الله أحب إليه من الشهد

و قال بعضهم: طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك و قال بعضهم: لا تطيب نفسي بالموت إلا إذا ذكرت لقاء الله عز و جل فإنني حينئذ أشتاق إلى الموت كشوق الظمآن الشديد ظمؤه في اليوم الحار الشديد حره إلى الماء البارد الشديد برده و في هذا يقول بعضهم:

أشتاق إليك يا قريبا نائي ... شوق ظأم إلى الزلال الماء

و قد دل على جواز ذلك قول الله عز و جل: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت} و قوله: {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت} فدل ذلك على أن أولياء الله لا يكرهون الموت بل يتمنوه ثم أخبر أنهم: {و لن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} فدل على: أنه يكره الموت من له ذنوب يخاف القدوم عليها كما قال بعض السلف: ما يكره الموت إلا مريب و في (حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه و سلم أسألك لذة النظر إلى وجهك و شوقا إلى لقائك في غير ضراء مضرة و لا فتنة مضلة) فالشوق إلى لقاء الله تعالى إنما يكون بمحبة الموت و ذلك لا يقع غالبا إلا عند خوف ضراء مضرة في الدنيا أو فتنة مضلة في الدين فأما إذا خلا عن ذلك كان شوقا إلى لقاء الله عز و جل و هو المسؤول في هذا الحديث و في المسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (لا يتمنين الموت إلا من وثق بعمله) فالمطيع لله مستأنس بربه فهو يحب لقاء الله و الله يحب لقاءه و العاصي مستوحش بينه و بين مولاه وحشة الذنوب فهو يكره لقاء ربه و لا بد له منه قال ذو النون: كل مطيع مستأنس و كل عاص مستوحش و في هذا يقول بعضهم:

أمستوحش أنت مما جنيت ... فاحسن إذا شئت و استأنس

قال أبو بكر الصديق لعمر رضي الله عنهما في وصيته له عند الموت: أن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحب إليك من الموت و لا بد لك منه و إن ضيعتها لم يكن غائب أكره إليك من الموت و لن تعجزه قال أبو حازم: كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه ثم لا يضرك متى مت العاصي يفر من الموت لكراهية لقاء الله و أين يفر من هو في قبضة من يطلبه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير