بينهما أبعد ما بين السماء و الأرض).
قيل لبعض السلف طاب الموت قل: لا تفعل لساعة تعيش فيها تستغفر الله خير لك من موت الدهر و قيل لشيخ كبير منه: تحب الموت؟ قال: لا قيل: و لم؟ قال: ذهب الشباب و شره و جاء الكبر و خيره فإذا قمت قلت: بسم الله و إذا قعدت قلت: الحمد لله فأنا أحب أن يبقى لي هذا و قيل لشيخ آخر منهم: ما بقي مما تحب له الحياة قال: البكاء على الذنوب و لهذا كان السلف الصالح يتأسفون عند موتهم على انقطاع أعمالهم عنهم بالموت و بكى معاذ عند موته و قال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر و قيام ليل الشتاء و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر و بكى عبد لرحمن بن الأسود عند موته و قال: وا أسفاه على الصوم و الصلاة و لم يزل يتلو القرآن حتى مات و بكى يزيد الرقاشي عند موته و قال: أبكي على ما يفوتني من قيام الليل و صيام النهار ثم بكى و قال: من يصلي لك يا يزيد بعدك و من يصوم و من يتقرب لك بالأعمال الصالحة و من يتوب لك من الذنوب السالفة و جزع بعضهم عند موته و قال: إنما أبكي على أن يصوم الصائمون لله و لست فيهم و يصلي المصلون و لست فيهم و يذكر الذاكرون و لست فيهم فذلك الذي أبكاني
تحمل أصحابي و لم يجدوا وجدي ... و للناس أشجان و لي شجن وحدي
أحبكم ما دمت حيا فإن أمت ... فوا أسفى ممن يحبكم بعدي
في الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ما من ميت مات إلا ندم: إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد و إن كان مسيئا ندم أن لا يكون استعتب) إذا كان المحسن يندم على ترك الزيادة فكيف يكون حال المسيء رأى بعض المتقدمين في المنام قائلا يقول له:
يا خد إنك إن توسد لينا ... وسدت بعد الموت صم الجندل
فاعمل لنفسك في حياتك صالحا ... فلتقدمن غدا إذا لم تفعل
و رأى آخر في المنام قائلا يقول له:
إن كنت لا ترتاب أنك ميت ... و لست لبعد الموت ما أنت تعمل
فعمرك ما يفنى و أنت مفرط ... و اسمك في الموتى معد محصل
رؤي بعض الموتى في المنام فقال: ما عندنا أكثر من الندامة و لا عندكم أكثر من الغفلة.
الموتى في قبورهم يتحسرون على زيادة في أعمالهم بتسبيحة و بركعة و مهم من يسأل الرجعة إلى الدنيا لذلك فلا يقدرون على ذلك قد حيل بينهم و بين العمل غلقت منهم الرهون و رؤي بعضهم في المنام فقال: ندمنا على أمر عظيم نعلم و لا نعمل و أنتم تعملون و لا تعلمون و الله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا أحب إليه من الدنيا و ما فيها قال بعض السلف: كل يوم يعيش فيه المؤمن غنيمة و قال بعضهم بقية عمر المؤمن لا قيمة له يعني أنه يمكنه أن يمحو فيه ما سلف منه من الذنوب بالتوبة و أن يجتهد فيه في بلوغ الدرجات العالية بالعمل الصالح فأما من فرط في بقية عمره فإنه خاسر فإن ازداد فيه من الذنوب فذلك هو الخسران المبين الأعمال بالخواتيم من أصلح فيما بقي غفر له ما مضى و من أساء فيما بقي أخذ بما بقي و ما مضى
يا بائع عمره مطيعا أمله ... في معصية الله كفعل الجهلة
إن ساومك الجهل باقيه فقل ... باقي عمر المؤمن لا قيمة له
ما مضى من العمر و إن طالت أوقاته فقد ذهب لذاته و بقيت تبعاته و كأنه لم يكن إذا جاء الموت و ميقاته قال الله عز و جل: {أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} تلا بعض السلف هذه الآية و بكى و قال: إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة و النعيم و في هذا المعنى ما أنشده أبو العتاهية للرشيد حين بنى قصره و استدعى إليه ندماءه
عش ما بدا لك سالما ... في ظل شاهقة القصور
يسعى عليك بما اشتهيـ ... ت لدى الرواح و في البكور
فإذا النفوس تقعقعت ... في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ... ما كنت إلا في غرور
و في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: أعذر الله إلى من بلغه ستين من عمره] و في الترمذي [أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين و أقلهم من يجوز ذلك] و في رواية: حصاد أمتي من بلغ الخمسين فقد تنصف المائة فماذا ينتظر
لهفي على خمسين عاما قد مضت ... كانت أمامي ثم خلفتها
لو كان عمر بمائة هدني ... تذكري أني تنصفتها
¥