في بعض الكتب السالفة: إن لله مناديا ينادي كل يوم: أبناء الخمسين زرع دنا حصاده أبناء الستين هلموا إلى الحساب أبناء السبعين ماذا قدمتم و ماذا أخرتم أبناء الثمانين لا عذر لكم ليت الخلق لم يخلقوا و ليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا و تجالسوا بيهم فتذاكروا ما عملوا ألا أتتكم الساعة فخذوا حذركم و قال وهب: إن لله مناديا ينادي في السماء الرابعة كل صباح: أبناء الأربعين زرع دنا حصاده أبناء الخمسين ماذا قدمتم و ما أخرتم أبناء الستين لا عذر لكم و في حديث: [إن الله يقول للحفظة ارفقوا بالعبد ما دامت حداثته فإذا بلغ الأربعين حققا و تحفظا] فكان بعض رواته يبكي عند روايته و يقول: حين كبرت السن و رق العظم وقع التحفظ قال مسروق: إذا أتتك الأربعون فخذ حذرك و قال النخعي: كان يقال لصاحب الأربعين احتفظ بنفسك و كان كثير من السلف إذا بلغ الأربعين تفرغ للعبادة و قال عمر بن عبد العزيز: تمت حجة الله على ابن الأربعين فمات لها و رأى في منامه قائلا يقول له:
إذا ما أتتك الأربعون فعندها ... فاخش الإله و كن للموت حذارا
يا أبناء العشرين كم مات من أقرانكم و تخلفتم يا أبناء الثلاثين أصبتم بالشباب على قرب من العهد فما تأسفتم يا أبناء الأربعين ذهب الصبا و أنتم على اللهو قد عكفتم يا أبناء الخمسين تنصفتم المائة و ما أنصفتم يا أبناء الستين أنتم على معترك المنايا قد أشرفتم أتلهون و تلعبون لقد أسرفتم
و إذا تكامل للفتى من عمره ... خمسون و هو إلى التقى لم يجنح
عكفت عليه المخزيات فما له ... متأخر عنها و لا متزحزح
و إذا رأى الشيطان غرة وجهه ... حيا و قال فديت من لا يفلح
قال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تصل
و إن امرءا قد سار ستين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب
يا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه إنما تفرح بنقص عمرك قال أبو الدرداء و الحسن رضي الله عنهما: إنما أنت أيام كلما مضى منك يوم مضى بعضك
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... و كل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا ... فإنما الربح و الخسران في العمل
قال بعض الحكماء: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره و شهره يهدم سنته و سنته تهدم عمره؟ كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله و حياته إلى موته؟
نجد سرورا بالهلال إذا بدا ... و ما هو إلا السيف للحتف ينتضى
إذا قيل تم الشهر فهو كناية ... و ترجمة عن شطر عمر قد انقضى
قال الحسن: الموت معقود بنواصيكم و الدنيا تطوى من ورائكم و هي مراحل
نسير إلى الآجال في كل لحظة ... و أعمارنا تطوى و هن مراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى ... فعمرك أيام و هن قلائل
قال بعض الحكماء: من كانت الليالي و الأيام مطاياه سارتا به و إن لم يسر
و ما هذه الأيام إلا مراحل ... يحث بها حاد إلى الموت قاصد
و أعجب شيء لو تأملت أنها ... منازل تطوى و المسافر قاعد
يا من كلما طال عمره زاد ذنبه يا من كلما ابيض شعره بمرور الأيام اسود بالآثام قلبه
شيخ كبير له ذنوب ... تعجز عن حملها المطايا
قد بيضت شعره الليالي ... و سودت قلبه الخطايا
يا من تمر عليه سنة بعد سنة و هو مستثقل في نوم الغفلة و السنة يا من يأتي عليه عام بعد عام و قد غرق في بحر الخطايا فعام يا من يشاهد الآيات و العبر كلما توالت عليه الأعوام و الهور و يسمع الآيات و السور و لا ينتفع بما يسمع و لا بما يرى من عظائم الأمور ما الحيلة فيمن سبق عليه الشقاء في الكتاب المسطور: {فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور} ـ {و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور}
خليلي كم من ميت قد حضرته ... و لكنني لم أنتفع بحضوري
و كم من ليالي قد أرتني عجائبا ... لهن و أيام خلت و شهور
و كم من سنين قد طوتني كثيرة ... و كم من أمور قد جرت و أمور
و من لم يزده السن ما عاش عبرة ... فذاك الذي لا يستنير بنور.