تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حكيت فى المقال السابق مواقف كثيرة ولا زال عندى مواقف أكثر منها ما يصلح للنشر ومنها مالا يصلح وهناك مواقف أعرفها ولم يؤذن لى فى حكايتها تصلح لأن توضع فى سير أعلام النبلاء منها ما يدل على ما رزقه الشيخ من هيبة بلغت حداً لو حكيته لسارت هذه الحكايات مسير الشمس وربما تحولت إلى سيرة شعبية تتناقلها الأجيال وربما عده البعض من الخرافات، ومن يعلم، ربما يأتى اليوم الذى ترى فيه هذه الحكايات نور الشمس"

رُزق الشيخ أيضاً ثباتاً عجيباً، يحكى لى بعض أسنان الشيخ أنه منذ عشرين عاماً كان يصطحب الشيخ بسيارته وأوقفت السيارة فى إحدى الكمائن وبينما اضطرب كل من فى السيارة لم تتحرك شعرة فى الشيخ ولم يتودد لأحد ولا نزل من السيارة فلما ذهبوا بهم إلى القسم ومن ثم وضعوا فى الحجز وبينما ركب مرافقيه الهم والغم وقضوا ليلتهم بلا رغبة فى الطعام ولا النوم أكل الشيخ ونام أكل من يجلس فى بيته وينام على فراشه وقال لواحد من إخوانه: ليكن لك فى الإمام أحمد أسوة وقد وضعوه فى القيد ثلاث سنوات ".

منهج الشيخ فى الدعوة أنه لا يتكلم بكلام مباشر ولا يصرخ ولا يعول على الوعظ المباشر، الشيخ يبنى الشخصية ويؤصل المعانى الأساسية ويكون فى المتلقى الملكة فإذا بك بعد وقت غير طويل وقد تربيت على معاني سامية وصارت عندك خطوط حمراء وملامح رئيسية لشخصيتك وإذا بك تُعظم السنة والإتباع وطلب العلم وتجل الصحابة وتكره البدعة وتتكلم بلغة مختلفة عن غيرك إلى آخر هذه المعانى التى يعرفها من تربى على كلامه حفظه الله والملمح الرئيسى فى منهج الشيخ الحويني هو أنه وإن كان للأسباب مطلوب لكنه لا يعول عليها يأخذ بالأسباب ثم يمضى قدماً فى طريقه بلا التفات وعدم تقديم تنازلات شرعية لأن البيت له رب يحميه وفى القصة التالية تلخيص مدهش لمنهج الشيخ حفظه الله:

في أول جلسة لى معه فى بيته منذ حوالى عشر سنوات طرحت عليه إشكالية كانت عندى عن هذا الداعية الذى كان فى حينها ظاهرة لكنه لم يكن بعد قد وقع فى أخطاءه المشهورة ولا ركب رأسه ونسى قدره، وأنا أشهد الله أن هذه الجلسة والطريقة التى حل لى بها هذه الإشكالية كانت نقطة تحول فى حياتى العلمية وأساسا تعلمت منه كيف أناظر وأرتب أفكارى وأحدد أصل الخلاف ونقاط القوة والضعف عند الخصم وعندى وكيف أسقطه قبل أن يشغب على وعلى الجماهير، ولقد كانت هذه الجلسة هى الأساس الذى إعتمدت عليه بعد الله فى كل مناظرة خضتها فى حياتى لقد تعلمت منه كيف تفند دليل الخصم ثم تفند دلالته وتعلمت ألا يجرنى خصمى إلى ماليس فى صلب الموضوع فيشغب على ويستنفذ طاقتي.

قال لى: ما هى الإشكالية التى عندك بخصوص هذا الداعية؟ قلت له: لقد عاد الناس بدعوة هذا الرجل بأمر الله إلى دينهم وحدثت صحوة كبيرة

قال لى: فكان ماذا؟ قلت له: فلماذا نعتبره مبتدعاً وجاهلاً ونهاجمه ونستخف به؟ فقال الشيخ: لماذا يحلق هذا الداعية لحيته ويجرجر ثوبه ويسمح بالإختلاط والتبرج إلى آخر هذه المخالفات؟ قلت له: حتى يعرض التدين على أناس لا يمكن أن يصل إليهم إلا بهذا الشكل وتلك الطريقة،

قال الشيخ:ما حكم حلق اللحية؟ قلت: حرام، قال: حرام مظنون أم متيقن؟ قلت: متيقن، قال: ونجاح هذا الداعية فى هداية هؤلاء مظنون أم متيقن؟ قلت: مظنون فالقلوب بيد الله، قال: ومن من أهل الأرض يقول أن أستحل حراما متيقنا بمصلحة مظنونه؟

ثم إن أهل الفهم الذين وعوا القرأن والسنة وتعلموا من قصص التاريخ يعرفون أن المسلمين لا ينتصرون بعدد ولا عدة وأن المحنة الحقيقية للمسلمين هى المخالفات والمناكير التى تملأ ديار المسلمين مع فرحنا طبعا بعودة الناس ولوجزئياً وأن أى إنسان يتكلم باسم الإسلام تنجذب إليه القلوب خاصة لأن الحياة المعاصرة بماديتها كادت أن تسحق الخلق بل سحقتهم، والغايات فى الإسلام لا تبرر الوسائل بل الوسائل لها أحكام المقاصد فلن نتوصل للتمكين إلا بالوسائل المشروعة ولن نستعين على الناس إلا بالكتاب والسنة نحن غير الجماعات الأخرى لا نقدم تنازلات ولا نركب الحرام ولا المكروه بحجة متطلبات المرحلة لذلك سيرنا نحو التمكين وئيد لكنه أكيد ومضمون slow but sure ولنا راية نقف تحتها هى راية التوحيد، راية الكتاب والسنة ولا نستعين بكل أحد وكل شىء لأجل أن نحقق أهدافاً ولو كانت النصر والتمكين،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير