ونلاحظ هاهنا ولأول مرة ورود اسم الله صفة وحكماً وخيرية وطاعة جهراً على لسان أحدهم وإنصاتاً فى آذان بقيتهم ... وبداية تحول جذرى فى نفوسهم آتى بعد مواقف إحسان يوسف المتكررة لهم فكأن كلامه صادف قلباً نائماً فأيقظه ... وكشفت عن أعينهم أقنعة الزيف التى حجبت بصيرتهم وعرت سوءات النفوس التى سولت لهم سوء أعمالهم.< o:p>
لقد كان أخوة يوسف مثلاً لمن ساء سلوكهم وعملهم حسداً وظلماً وعدواناً وسلمت عقيدتهم الإيمانية فلما ُذكرت بالله تذكرت ولو بعد حين ... ولما جاءتهم الدروس تعلموا منها واتعظوا بها ولوبعد سنين والشيطان عدوالإنسان المبين يأتيه من كل باب وطريق ... من باب العقيدة والفكر ليكفر ويشرك أومن باب السلوك والعمل ليسئ ويفسد وقد يكون المهلك فى الأولى إن لم يؤمن ... وقد يكون المهلك فى الثانية إن لم يتب فالأبواب مفتوحة بعضها على بعض ... فالكفر يؤدى إلى المعصية والمعصية قد تؤدى إلى الكفر ... وليس المهم أى باب فتح فى الأول ومن أي باب الشيطان ولج ولكن المهم إلي أي مدي وصل وإلي أي منتهي آل؟ ... أولم تكن خطيئة إبليس سوأة نفس في البداية حسد لآدم وتكبرا أدي به إلي المعصية ومن ثم إلي العناد والإصرار ومن ثم إلي الكفران.< o:p>
رجع الإخوة إلي أبيهم وأخبروه بما حدث ف (قال بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌجَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).< o:p>
لقد كرريعقوب نفس الكلمات التي قالها لهم في فقد يوسف واضعاً النقاط علي الحروف ليقفهم علي حقيقتهم ويكشف لهم سوأة أنفسهم فيتعظوا ويتذكروا ويرشدوا ومؤكداً مشاعر اللوعة والأسي في نفسه ومؤسساً قواعد الإيمان والتسليم الحق في قلبه وسلوكه. < o:p>
فلم يعد أمامه إلا الصبر الجميل الذي لا يصدر إلا عن نفس مؤمنة بالله ربا ًمستسلمة راضية متوجهة إليه مطمئنة بخيريته ... فأمرها من الله وبالله وإلي الله وهذا إمام الصابرين النبي عليه الصلاة والسلام يقول عند موت ابنه إبراهيم (إن العين لتدمع وإن القلب ليجزع ولا نقول إلا مايرضي ربنا وإنا علي فراقك ياإبراهيم لمحزونون).< o:p>
وهنا تذكر يعقوب فراق يوسف (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) .... ولما اعترض أبنائه عليه في توجعه علي مصابه في أبنائه وتذكره ليوسف (قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) < o:p>
لقد أخلص العبد المؤمن توجهه إلي الله حتي وهوفي قمة مصابه وأحزانه وفي الشدائد يضعف الكثيرون فأخلص الله إليه علما خصه به وأخلصه في الدارين (بخالصة ذكري الدار) وأخلصه عنده (وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَار) (ص47).< o:p>
ثم طلب منهم البحث والتحري عن يوسف وأخيه ونهاهم عن اليأس والقنوط من رحمة الله ف (إِنَّهُ لاَ ييأسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) < o:p>
إن رحمة الله وخيره مرسلة كنسيم الريح تلامس كل بشرة وتمر علي كل أنف لاتنتهي ولاتتوقف ولاتنقطع ولكن العيب في الإنسان الذي يغلق الباب دونها ويأبي التعرض لنفحاتها< o:p>
العيب في الأنف المزكوم الذي لايتنفس ولايشم ولايتذوق ... العيب في الوقر علي الآذان الصم والأكنة علي القلوب العمي ... إن الكافرين هم وحدهم الآيسون من رحمة الله إذ جعلوا بكفرهم بنعمه وآياته بينهم وبينه حجاباً مستوراً ... فكيف يرجوا أحد من أحد خيراً وهو ينكر وجوده أوفضله أصلاً؟ < o:p>
· المشهد الثالث: (88 - 93):< o:p>
هذا هو الدخول الثالث للأخوة على يوسف وامتاز بأمرعظيم وهو زوال الغشاوة التى كانت على البصيرة وقيام الإخوة بمبادئ التوبة وأفعال الأوبة إلى الله.< o:p>
( فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ).< o:p>
¥